كما قال قتادة : قوله (توفني مسلما وألحقني بالصالحين) لما جمع الله شمله ، وأقر عينه ، وهو يومئذ مغمور في الدنيا وملكها ونضارتها ، اشتاق إلى الصالحين قبله ، وكان ابن عباس يقول : ما تمنى نبي قط الموت قبل يوسف عليهالسلام ، وكذا ذكر ابن جرير والسدي عن ابن عباس أنه أول نبي دعا بذلك ، وهذا يحتمل أنه أول من سأل الوفاة على الإسلام ، وكما أن نوحا أول من قال : (رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِناً) (نوح : ٢٨) ويحتمل أنه أول من سأل إنجاز ذلك ، وهو ظاهر سياق قول قتادة ، ولكن هذا لا يجوز في شريعتنا. روى الإمام أحمد بن حنبل رحمهالله ... عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «لا يتمنين أحدكم الموت لضر نزل به ، فإن كان ولا بد متمنيا الموت فليقل : اللهم أحيني ما كانت الحياة خيرا لي ، وتوفني إذا كانت الوفاة خيرا لي». وأخرجاه في الصحيحين. وعندهما : «لا يتمنين أحدكم الموت لضر نزل به ، إما محسنا فيزداد ، وإما مسيئا فلعله يستعتب. ولكن ليقل : اللهم أحيني ما كانت الحياة خيرا لي ، وتوفني إذا كانت الوفاة خيرا لي». وروى الإمام أحمد ... عن أبي أمامة قال : جلسنا إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم فذكرنا ورققنا ، فبكى سعد ابن أبي وقاص. فأكثر البكاء ، وقال يا ليتني مت ، فقال النبي صلىاللهعليهوسلم : «يا سعد أعندي تتمنى الموت؟» وردد ذلك ثلاث مرات ، ثم قال : «يا سعد إن كنت خلقت للجنة فما طال من عمرك وحسن من عملك فهو خير لك». وروى الإمام أحمد ... عن أبي هريرة عن النبي صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «لا يتمنين أحدكم الموت لضر نزل به ، ولا يدع به من قبل أن يأتيه ، إلا أن يكون قد وثق بعمله ، فإنه إذا مات أحدكم انقطع عنه عمله ، وإنه لا يزيد المؤمن عمله إلا خيرا». وهذا فيما إذا كان الضر خاصا به ، وأما إذا كان فتنة في الدين فيجوز سؤال الموت ، كما قال الله تعالى إخبارا عن السحرة لما أرادهم فرعون عن دينهم وتهددهم بالقتل (قالُوا رَبَّنا أَفْرِغْ عَلَيْنا صَبْراً وَثَبِّتْ أَقْدامَنا) (الأعراف : ١٢٦) وقالت مريم لما أجاءها المخاض ـ إلى جذع النخلة (يا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هذا وَكُنْتُ نَسْياً مَنْسِيًّا) (مريم : ٢٣) لما علمت من أن الناس يقذفونها بالفاحشة لأنها لم تكن ذات زوج وقد حملت ووضعت وقد قالوا : (يا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيًّا* يا أُخْتَ هارُونَ ما كانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَما كانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا) (مريم : ٢٧ ، ٢٨) فجعل الله لها من ذلك الحال فرجا ومخرجا ، وأنطق الصبي في المهد بأنه عبد الله ورسوله ، فكان آية عظيمة ومعجزة باهرة صلوات الله وسلامه عليه ، وفي حديث معاذ الذي رواه الإمام أحمد والترمذي في قصة المنام والدعاء ، الذي فيه «وإذا أردت بقوم فتنة فاقبضني