الأمر كذلك ، وإذ كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم يفعل ذلك ويدعو إليه ، فكيف يشك في دينه؟ إنه من كان هذا شأنه في إفراد العبادة لله ، كيف يكون شك في دينه وكيف يكون شك في الكتاب المنزل عليه ، وكما أدت هذه الفقرة هذا المعنى فإنها أدت معنى آخر : وهو أنها علمتنا كيف نقابل موقف الشك من هذا القرآن ، فعلمتنا أن نقابل ذلك بمزيد من التنائي عن المشركين والشرك ، وبإقبال كثير على الله والإخلاص له ، وإفراده بالعبادة والدعاء ، كما أدت في هذا السياق معنى آخر ، وهو تعليم التحدي. قال ابن كثير في هذه الآيات (يقول الله تعالى لرسوله محمد صلىاللهعليهوسلم : قل يا أيها الناس إن كنتم في شك من صحة ما جئتكم به ، من الدين الحنيف الذي أوحاه الله إلي ، فأنا لا أعبد الذين تعبدون من دون الله ، ولكن أعبد الله وحده لا شريك له ، وهو الذي يتوفاكم كما أحياكم. ثم إليه مرجعكم ، فإن كانت آلهتكم التي تدعون من دون الله حقا ـ وليست حقا إلا في زعمكم ـ فأنا لا أعبدها ، فادعوها فلتضرني ، فإنها لا تضر ولا تنفع ، وإنما الذي بيده الضر والنفع هو الله وحده لا شريك له ، وأمرت أن أكون من المؤمنين).
وهكذا نجد أن هذه الفقرة أدت معاني متعددة فهمناها من النص ومن خلال السياق. وأن يؤدي السياق القرآني مثل هذه المعاني ، وأن تكون كلها حقا ، وأن يكون ذلك على أعلى درجات الإبداع في الأداء ، وأعلى درجات البلاغة في اللفظ والمعنى ، وأن يكون في هذا القرآن هذا الكمال في الحكمة ، إذ يناقش ، أو يصفي ، أو يقرر ضمن سياق واحد ، وعلى هذه الشاكلة ، أن يكون هذا كله ، فهذا شىء فوق إمكان الإنسان إن هو إلا تنزيل العزيز الحكيم.
فوائد :
١ ـ بمناسبة الأمر بالعبادة في هذه الآيات نذكر الحديث الذي رواه ابن عساكر عن أنس بن مالك أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «اطلبوا الخير دهركم كله ، وتعرضوا لنفحات ربكم ، فإن لله نفحات من رحمته يصيب بها من يشاء من عباده ، واسألوه أن يستر عوراتكم ويؤمن روعاتكم». ذكره ابن كثير فلنقبل يا أخي على الله وعلى عبادته ، ولنكثر من دعائه ، فلعل نفحة من نفحات ربنا تصيبنا فتنقلنا من أن نكون من أهل الدنيا إلى أن نكون من أهل الآخرة ، ربنا استر عوراتنا وآمن روعاتنا.
٢ ـ ذكر النسفي تعقيبا على الآية الأخيرة في الفقرة (وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللهُ بِضُرٍّ ..) مبينا حكمة مجيئها في هذا المقام ، ومبينا بعض نكت بلاغة ألفاظها فقال : (أتبع النهي