جزيلة كثيرة (فِي) هذه (الْحَياةِ الدُّنْيا رَبَّنا) آتيتهم ذلك (لِيُضِلُّوا) في عاقبته (عَنْ سَبِيلِكَ) عن دينك ، والمعنى : آتيتهم وأنت تعلم أنهم لا يؤمنون بما أرسلتني به إليهم ، استدراجا منك لهم ، فيفتتن بما أعطيتهم من شئت من خلقك ، ليظن من أغويته أنك إنما أعطيتهم هذا لحبك إياهم ، واعتنائك بهم. (رَبَّنَا اطْمِسْ عَلى أَمْوالِهِمْ) أي أهلكها (وَاشْدُدْ عَلى قُلُوبِهِمْ) أي اطبع عليها واستوثق (فَلا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ) أى المؤلم (قالَ) الله تعالى : (قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُما) مع أن الداعي موسى ، إلا أن هارون كان يؤمن : أي أجبناكما فيما سألتما في شأن فرعون وآله. (فَاسْتَقِيما) على الرسالة والدعوة إلى أن يأتيهم العذاب. والمعني : كما أجبت دعوتكما فاستقيما على أمري لأن النعمة تقتضي شكرا (وَلا تَتَّبِعانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ) في استعجال القضاء ، وترك الشكر وفقدان البصر.
فوائد :
١ ـ قال الألوسي في الآية : واستدل بعضهم بالآية على أن الدعاء على شخص بالكفر لا يعد كفرا إذا لم يكن على وجه الاستيجاز والاستحسان للكفر ، بل كان على وجه التمني لينتقم الله تعالى من ذلك الشخص أشد انتقام ، وإلى هذا ذهب شيخ الإسلام خواهر زاده ، فقولهم : الرضا بكفر الغير كفر ليس على إطلاقه عنده ، بل هو مقيد بما إذا كان على وجه الاستحسان ، لكن قال صاحب الذخيرة : قد عثرنا على رواية عن أبي حنيفة رضي الله عنه أن الرضا بكفر الغير كفر من غير تفصيل ، والمنقول عن علم الهدى أبي منصور الماتريدي التفصيل ، ففي المسئلة اختلاف ، قيل : والمعول عليه أن الرضا بالكفر من حيث أنه كفر كفر ، وأن الرضا به لا من هذه الحيثية بل من حيثية كونه سببا للعذاب الأليم ، أو كونه أثرا من آثار قضاء الله تعالى وقدره ـ مثلا ـ ليس بكفر ، وبهذا يندفع التنافي بين قولهم : الرضا بالكفر كفر. وقولهم : الرضا بالقضاء واجب بناء على حمل القضاء فيه على المقضي ، ومن هذا التحقيق يعلم ما في قولهم : إن من جاءه كافر ليسلم فقال : اصبر حتى أتوضأ أو أخره يكفر ؛ لرضاه بكفره في زمان ؛ فيه النظر ، ويؤيده ما في الحديث الصحيح في فتح مكة أن ابن أبي سرح أتى به عثمان رضي الله تعالى عنه إلى النبي صلىاللهعليهوسلم وقال : يا رسول الله بايعه فكف صلىاللهعليهوسلم يده عن بيعته ، ونظر إليه ثلاث مرات ، كل ذلك يأبى أن يبايعه ، فبايعه بعد الثلاث ، ثم أقبل صلىاللهعليهوسلم على أصحابه فقال : «أما كان فيكم رجل رشيد يقوم إلى هذا حيث كففت يدي عن بيعته فيقتله؟» قالوا : وما يدرينا يا رسول الله ما في نفسك ألا أومأت إلينا بعينك فقال عليه