وهي ليست مأسأة «الوجودية»
وحدها من مذاهب الفكر الأوربي. إنها مأساة الفكر الأوربي كله ـ بكل مذاهبه
واتجاهاته ـ بل مأساة الجاهلية كلها في جميع أزمانها وبيئاتها. المأساة التي يضع
الإسلام حدا لها بعقيدته الشاملة التي تنشىء في الإدراك البشري تصورا صحيحا لهذا
الوجود ، وما وراءه من قوة مدبرة.
إن «الإنسان» هو
ابن هذه الأرض ؛ وهو ابن هذا الكون. لقد أنشأه الله من هذه الأرض ، ومكنه فيها ،
وجعل له فيها أرزاقا ومعايش ، ويسر له المعرفة التي تسلمه مفاتيحها ؛ وجعل
نواميسها موافقة لوجود هذا الإنسان ، تساعده ـ حين يتعرف إليها على بصيرة ـ وتيسر
حياته ..
ولكن الناس قليلا
ما يشكرون ـ ذلك أنهم في جاهليتهم لا يعلمون .. وحتى الذين يعلمون لا يملكون أن
يوفوا نعمة الله عليهم حقها من الشكر وأنى لهم الوفاء؟ لو لا أن الله يقبل منهم ما
يطيقون ، وهؤلاء ينطبق عليهم بهذين الاعتبارين قوله تعالى : (قَلِيلاً ما تَشْكُرُونَ)
فصل : في مظاهر من
الكبر :
في قصة آدم عليهالسلام عبر كثيرة ودروس كثيرة :
لقد امتنع إبليس
من السجود لآدم بدعوى الخيرية ، وما أكثر ما كانت دعوى الخيرية حائلا دون وجود
الصف الإسلامي الواحد ، وما أكثر ما كانت دعوى الخيرية عاملا من عوامل تفرق صف
المسلمين ، إن الصف الإسلامي من حقه أن يخرج قياداته بالشورى ومن قدمه الصف ، ومن
قدمته الشورى فعلى الجميع أن يلتزموا بإمرته ، ولكن كم من الناس يمنعهم من ذلك
الكبر مهما لبسوا لبوس التواضع؟
إن كثيرين لا
يبدأون البداية الصحيحة ، مع أن البدايات الصحيحة وحدها هي التي توصل إلى نتائج
صحيحة ، فإذا ما بدأت تظهر ثمرات البدايات الصحيحة يريد الكثيرون أن يتقدموا ،
وإذا لم يتقدموا يستكبرون عن السير في الطريق الصحيح ، إن ذلك من نزغات الشيطان
فليحاسب كل منا نفسه.