الكذب ، أو يكذب بآيات الله المنزلة ، وأن هؤلاء يأخذون ما كتب لهم في الدنيا من خير وشر ، ورزق وجاه ، وسعادة أو شقاء ، ثم تبدأ شقاوتهم الحقيقية من لحظة الموت إذ تدعوهم الملائكة عند الموت ، وعند قبض أرواحهم إلى النار ، فتؤنبهم وتقرعهم ، سائلة عن آلهتهم التي عبدوها وأخلصوا لها من دون الله أين هي ، تأتيهم وتخلصهم ، فلم يكن عندهم جواب إلا الاعتراف بأن هذه الآلهة المزعومة لا نفع عندها ولا ضر ، وإلا الاعتراف بأنهم كافرون. هؤلاء يقال لهم يوم القيامة ادخلوا مع أمثالكم من الأمم السالفة ، الكافرة من الجن والإنس في النار ، التي كلما دخلت فيها أمة لعنت هذه الأمة أختها ، ثم إذا اجتمعوا فيها جميعا قال المتأخرون ـ شاكين إلى الله ـ أن المتقدمين هم سبب ضلالهم ، ودعوا الله أن يذيق هؤلاء ضعف العذاب على ما ورطوهم في الكفر ، فيكون الجواب : أن الجميع يستحقون ضعف العذاب ولكنهم لجهلهم ـ حتى بعد دخول النار ـ لم يعلموا هذا ، وعندئذ يقول المتقدمون للمتأخرين شامتين بالمتأخرين : فذوقوا العذاب بسبب كسبكم ، وإن ادعاءكم الفضل علينا لم ينفعكم شيئا ، ثم يقرر الله عزوجل أن المكذبين بآياته المستكبرين عنها لا يرفع لهم عمل صالح ، ولا يتقبل منهم دعاء ولا تفتح لأرواحهم ـ يوم يتوفون ـ أبواب السماء ، وأن الجنة عليهم حرام ؛ وذلك جزاء إجرامهم ، ولهم زيادة على هذا ، جهنم هي فراشهم ، وهي لحافهم وذلك جزاء ظلمهم.
وبعد أن ذكر حال الأشقياء عطف بذكر حال السعداء : الذين آمنت قلوبهم وعملوا الصالحات بجوارحهم ، وما أسهل هذا وأطيبه ، وكيف لا ولم يكلفهم الله إلا ما يستطيعونه. هؤلاء لهم الجنة خالدين فيها أبدا ـ وما أطيبها من دار ، لا غل في صدور أهلها وتجري من تحتهم الأنهار ، وإذ نالوا هذه الكرامة فإنهم يحمدون الله الذي هداهم لطريق الجنة ، معترفين بأنه لو لا الله ما اهتدوا ، ذاكرين أن ما جاءتهم الرسل به حق ، وكافأهم الله على هذا الاعتراف بأن أعلمهم أن هذه الجنة قد أورثهم الله إياها بعملهم ، فبسبب أعمالهم نالتهم الرحمة ، فدخلوا الجنة وتبوأوا منازلهم ، وكل ذلك بفضل الله. هم اعترفوا لله بفضله ، وهو جل جلاله شكر لهم عملهم زيادة في إكرامهم.
وإذ نال المكذبون ما يستحقون ، ونال المؤمنون ما يستحقون ، وإذ عرض الله لنا عاقبة المكذبين والمصدقين ، قص علينا ما جرى من حوار بين أهل الجنة وأهل النار ،