من شأنه الرازنة والحلم والأناة والتثبت ، والطين محل النبات والنمو والزيادة والإصلاح. والنار من شأنها الإحراق والطيش والسرعة لهذا خان إبليس عنصره ، ونفع آدم عنصره بالرجوع ، والإنابة ، والاستكانة ، والانقياد ، والاستسلام لأمر الله والاعتراف وطلب التوبة ، وأصر إبليس ـ عليه اللعنة ـ على المعصية ، فأصدر الله أمره الضرورى الكوني لإبليس بالخروج من الجنة ؛ بسبب عصيانه الأمر ، وخروجه عن الطاعة ؛ لأنه ما كان له أن يبقى فيها مع كبره وعصيانه ، أمره أن يخرج صاغرا ذليلا حقيرا ؛ معاملة له بنقيض قصده ، ومكافأة لمراده ، فعند ذلك استدرك اللعين ، وسأل النظرة إلى يوم الدين ، فأجابه تعالى إلى ما سأل ؛ لماله في ذلك من الحكمة والإرادة والمشيئة التي لا تخالف ولا تمانع ، ولا معقب لحكمه ، وهو سريع الحساب ، فلما استوثق اللعين من النظرة ، أخذ في المعاندة والتمرد ، معلنا بعد أن أمن أخذ الله السريع أنه كما أضله الله وأغواه فإنه سيضل عباد الله ويغويهم وسيقعد لذرية آدم ـ الذي أبعد بسببه ـ على طريق الحق ، وسبيل النجاة ـ صراط الله ـ ليضلهم فلا يعبدوا الله ولا يوحدوه ، وأعلن أنه سيشككهم في آخرتهم ، ويرغبهم في الدنيا ، ويسفه عليهم أمر دينهم ، ويشهي لهم المعاصي ، وبالجملة فإنه أعلن أنه سيأتي الإنسان من كل طريق ، فالخير يصدهم عنه ، والشر يحسنه لهم ، حتى لا يكون أكثر الخلق موحدين. هذه هي المعاني التي أعلنها إبليس يوم طرده الله من رحمته ، وكان إعلانه هذا أثرا عن توهمه وظنه وتقديره ، وقد تحقق ذلك على أرض الواقع ، فأكد الله تعالى اللعنة على إبليس والطرد والإبعاد ، والنفي عن كل الملأ الأعلى ، وقد أوعد إبليس ومن تبعه بأن تملأ جهنم منهم أجمعين ؛ على تمردهم وعصيانهم ، ثم ذكر الله تعالى كيف أنه أباح لآدم عليهالسلام ولزوجته حواء الجنة أن يأكلا منها ، من جميع ثمارها إلا شجرة واحدة ، فعند ذلك حسدهما الشيطان ، وسعى في المكر والوسوسة والخديعة ؛ ليسلبهما ما هما فيه من النعمة واللباس الحسن ، وقال كذبا وافتراء لهما : إن الله ما نهاكما عن هذه الشجرة إلا لئلا تكونا ملكين أو خالدين في الجنة. ولو أنكما أكلتما منها لحصل لكما ذلكما ، وحلف لهما بالله أنه ناصح لهما ، كيف لا وهو أقدم منهما بالمكان ، وأعلم بما فيه ، فخدعهما فصدقاه لأنه حلف لهما بالله ؛ فانخدعا فأكلا من الشجرة ، فعوقبا مباشرة بكشف العورات فأخذا يتستران بورق الجنة ، وأنبهما الله عزوجل كيف يتركان الأمر ، ويخالفان النهي ، وينسيان التحذير ، فاعترفا لله وطلبا المغفرة فغفر ، ولكن الذنب لا يمر. فأمر الجميع بالهبوط إلى الأرض ، وأعلمهم أنهم فيها متعادون ؛ جند الله وجند الشيطان ، وأن لهم في الأرض