٢ ـ بمناسبة قوله تعالى : (وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ ..) يذكر ابن كثير ما رواه الإمام أحمد عن ابن عباس بإسناد جيد قال : قيل لرسول الله صلىاللهعليهوسلم حين فرغ من بدر : عليك بالعير ليس دونها شىء ، فناداه العباس بن عبد المطلب ـ قال عبد الرزاق ـ وهو أسير في وثاقه ـ : إنه لا يصلح لك ، قال : «ولم؟» قال : لأن الله عزوجل إنما وعدك إحدى الطائفتين ، وقد أعطاك الله ما وعدك.
ويظهر أن الرسول صلىاللهعليهوسلم حدث عمه بما وعده الله ، أو أن عمه عرف بطريقة ما فاستبق القوم إلى تبيان هذا المعنى ، وهو جدير به أليس من آل هاشم في حدة ذكائهم وجودة رأيهم.
ولنعد إلى السياق
(إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ) الإستغاثة : طلب الغوث ، وهو التخلص من المكروه لما علموا أنه لا بد من القتال استغاثوا لعلمهم بضعفهم وقوة خصمهم. وهو أدب المسلم في كل حال ، ولكن السياق يبين من خلال هذا العرض أنه مع كونهم في منتهى الضعف كان النصر ، فالخير في القتال ، فإن الله الذي شرع القتال لعباده لا يخذلهم إذا لم يرتكبوا أسباب الخذلان (فَاسْتَجابَ لَكُمْ) أي استغثتموه فأجاب. ومن استجابته ما أمدهم به من الملائكة كما ذكر ذلك بقوله (أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ) أي لكم ، أي نجدة لكم ، أو بعضهم على أثر بعض متتابعين (وَما جَعَلَهُ اللهُ إِلَّا بُشْرى) أي وما جعل الإمداد إلا بشارة لكم بالنصر (وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ) أي ولتسكن قلوبكم. والمعنى : إنكم استغثتم وتضرعتم لقلتكم ، فكان الإمداد بشارة لكم بالنصر ، وتسكينا لكم وربطا على قلوبكم (وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللهِ) أي لا تحسبوا النصر بعدة أو عدد ، ولا تحسبوا النصر من الملائكة أو غيرهم ، فإن الناصر هو الله لكم وللملائكة ، أو ما النصر الذي أيدكم به بسبب الملائكة وغيرها إلا من عند الله ، فإن المنصور من نصره هو جل جلاله (إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ) ينصر أولياءه (حَكِيمٌ) إذ شرع الجهاد لقهر أعدائه.