إِلهٍ غَيْرُهُ) يقول صاحب الظلال : (لقد أرسلنا نوحا إلى قومه ، فخاطبهم بتلك الكلمة الواحدة التي جاء بها كل رسول : (فَقالَ : يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ) فهي الكلمة التي لا تتبدل ، وهي قاعدة هذه العقيدة التي لا توجد إلا بها ، وهي عماد الحياة الإنسانية الذي لا تقوم على غيره. وهي ضمان وحدة الوجهة ووحدة الهدف ووحدة الرباط. وهي الكفيل بتحرر البشر من العبودية للهوى ، والعبودية لأمثالهم من العبيد ، وبالاستعلاء على الشهوات كلها وعلى الوعد والوعيد.
إن دين الله منهج للحياة ، قاعدته أن يكون السلطان كله في حياة الناس كلها لله. وهذا هو معنى عبادة الله وحده ، ومعنى ألا يكون للناس إله غيره. والسلطان يتمثل في الاعتقاد بربوبيته لهذا الوجود وإنشائه وتدبيره بقدرة الله وقدره. كما يتمثل في الاعتقاد بربوبيته للإنسان وإنشائه وتدبيره أمره بقدرة الله وقدره ، وعلى نفس المستوى يتمثل في الاعتقاد بربوبية الله لهذا الإنسان في حياته العملية الواقعية ، وقيامها على شريعته وأمره تمثله في التقدم بشعائر العبادة له وحده. كلها حزمة واحدة غير قابلة للتجزئة. وإلا فهو الشرك ، وهو عبادة غير الله معه ، أو من دونه).
وبمناسبة رد قوم نوح على نوح عليهالسلام بقولهم : (قالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ : إِنَّا لَنَراكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ.) قال صاحب الظلال : (كما قال مشركو العرب لمحمد ـ صلىاللهعليهوسلم ـ إنه صبأ ، ورجع عن دين إبراهيم ، وهكذا يبلغ الضال من الضلال أن يحسب من يدعوه إلى الهدى هو الضال! بل هكذا يبلغ التبجح الوقح بعد ما يبلغ المسخ في الفطر! .. تنقلب الموازين وتبطل الضوابط. ويحكم الهوى ؛ ما دام أن الميزان ليس هو ميزان الله الذي لا ينحرف ولا يميل. وما ذا تقول الجاهلية عن المهتدين بهدى الله؟ إنها تسميهم الضالين وتدعو من يهتدي منهم إلى المستنقع الكريه. وإلى الوحل الذي تتمرغ الجاهلية فيه.
وما ذا تقول الجاهلية اليوم للفتاة التي لا تكشف عن لحمها؟ وما ذا تقول للفتى الذي يستقذر اللحم الرخيص؟ إنها تسمى ترفعهما هذا ونظافتهما وتطهرهما «رجعية» وتخلفا وجمودا وريفية! وتحاول الجاهلية بكل ما تملكه من وسائل التوجيه والإعلام أن تغرق ترفعهما ونظافتهما وتطهرهما في الوحل الذي تتمرغ فيه في المستنقع الكريه!
وما ذا تقول الجاهلية لمن ترتفع اهتماماته عن جنون مباريات الكرة ، وجنون الأفلام والسينما والتليفزيون وما إليه ؛ وجنون الرقص والحفلات الفارغة والملاهي؟ إنها تقول