يقول صاحب الظلال في تقديمه لسورة المائدة :
«ومن ثم نجد في هذه السورة ـ كما وجدنا في السور الثلاث الطوال قبلها ـ موضوعات شتى ، الرابط بينها جميعا هو هذا الهدف الذي جاء القرآن كله لتحقيقه : إنشاء أمة وإقامة دولة ، وتنظيم مجتمع ، على أساس من عقيدة خاصة ، وتصور معين ، وبناء جديد .. الأصل فيه إفراد الله ـ سبحانه ـ بالألوهية والربوبية والقوامة والسلطان ؛ وتلقي منهج الحياة وشريعتها ونظامها وموازينها وقيمها منه بلا شريك ..».
ويقول الألوسي في تفسيره عن وجه مناسبة سورة المائدة لسورة النساء وما قبلها :
«ووجه اعتلاقها بسورة النساء ـ على ما ذكره الجلال السيوطي ـ عليه الرحمة ـ أن سورة النساء قد اشتملت على عدة عقود صريحا وضمنا ، فالصريح عقود الأنكحة. وعقد الصداق. وعقد الحلف. وعقد المعاهدة والأمان ، والضمني عقد الوصية. والوديعة. والوكالة. والعارية. والإجارة ، وغير ذلك الداخل في عموم قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها) فناسب أن تعقّب بسورة مفتتحة بالأمر بالوفاء بالعقود فكأنه قيل : يا أيها الناس أوفوا بالعقود التي فرغ من ذكرها في السورة التي تمّت ، وإن كان في هذه السورة أيضا عقود ، ووجّه أيضا تقديم النساء وتأخير المائدة بأن أول تلك (يا أَيُّهَا النَّاسُ) وفيها الخطاب بذلك في مواضع ، وهو أشبه بتنزيل المكي ، وأوّل هذه (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) وفيها الخطاب بذلك في مواضع وهو أشبه بخطاب المدني ، وتقديم العام وشبه المكي أنسب ، ثم إنّ هاتين السورتين في التلازم والاتحاد نظير البقرة ، وآل عمران ، فتانك اتحدا في تقرير الأصول من الوحدانية والنبوة ونحوهما ، وهاتان في تقرير الفروع الحكمية.
وقد ختمت المائدة في صفة القدرة ، كما افتتحت النساء بذلك ، وافتتحت النساء ببدء الخلق ، وختمت المائدة بالمنتهى من البعث والجزاء ، فكأنهما سورة واحدة اشتملت على الأحكام من المبدأ إلى المنتهى ، ولهذه السورة أيضا اعتلاق بالفاتحة. والزهراوين كما لا يخفى على المتأمل».
ونحن مع إثباتنا لما قاله صاحب الظلال والألوسي مما يدخل في الوحدة الموضوعية للقرآن الكريم نضيف :