مقطع جديد يعطينا الله ـ عزوجل ـ به دروسا في أمم وشعوب نقضوا العهد والميثاق مع الله ـ عزوجل ـ فاستحقوا بذلك ما استحقوا.
٣ ـ قد يكون ما مرّ كافيا للتدليل على أنّ محور سورة المائدة هو قوله تعالى : (وَما يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفاسِقِينَ الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ وَيَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ). فإذا اتضح هذا فلنلاحظ أنه في سياق قوله تعالى (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ ...) قد ورد قوله تعالى : (ذلِكُمْ فِسْقٌ) وارتباط ذلك بقوله تعالى في المحور (وَما يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفاسِقِينَ) لا يخفى.
وأنه في سياق قوله تعالى : (الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ ...) قد ورد قوله تعالى : (وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ) وصلة ذلك بقوله تعالى في المحور (وَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ) لا تخفى وأنه جاء في المقطع (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثاقَهُ ...) ولهذا صلته بقوله تعالى (الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ).
إن هذا كله يؤكدّ أن المقطع فصّل فيما نتحرر به من الفسوق ودلّنا على ما لو وافقناه أو أهملناه أو خالفناه أو ارتكبناه فإننا نكون مستحقين الإضلال من الله ـ عزوجل ـ.
٤ ـ من الملاحظ أن الآية الأولى في السّورة قد ورد فيها قوله تعالى (غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ) وأنه قد جاءت الآيات التي تتحدث عن صيد المحرم في أواخر السورة. (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِماحُكُمْ) (٩٤) (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ ...) (٩٥) (أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعامُهُ مَتاعاً لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ ما دُمْتُمْ حُرُماً ...) (٩٦).
وهذا يشير إلى ارتباط أول السّورة بآخرها ، ويؤكد سياقها الواحد ، كما يشير إلى أهمية امتناع المحرم عن الصيد ؛ إذ بدأت به السورة بعد الأمر بالوفاء بالعقود ، وفصّلت فيه فيما بعد ، كما يشير إلى أن من أوائل ما يدخل في الوفاء بالعقود عقودنا مع الله ـ عزوجل ـ بالسّمع والطاعة في كل ما أمر ونهى.
ولعلّه بذلك قد اتضح لنا إلى حدّ كبير سياق السورة وارتباطها بمحورها وسيزداد الأمر وضوحا فيما بعد فلننقل في نهاية الكلام عن المقطع بعض النقول ولنعقد بعض