موضوع سيأتي.
٣ ـ هناك قراءة صحيحة بنصب قوله تعالى : (سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ) ومعناها : ولتستبين يا محمد سبيل المجرمين فتعامل كلا منهم بما يجب أن يعامل به.
فالآية إذن في قراءتيها تبيّن أن سبيل المجرمين قد بيّنت بهذ القرآن ، وأن المقصود الأول بهذا البيان هو رسول الله صلىاللهعليهوسلم ثمّ ورثته والمسلمون ، إن إحدى الحكم الكبيرة لتصريف الآيات في هذا القرآن هي هذه.
وتعليقا على هذا المعنى يقول صاحب الظلال :
«إنه يكشف عن خطة المنهج القرآني في العقيدة والحركة بهذه العقيدة! إن هذا المنهج لا يعنى بيان الحق وإظهاره حتى تستبين سبيل المؤمنين الصالحين فحسب. إنما يعنى كذلك بيان الباطل وكشفه حتى تستبين سبيل الضالين المجرمين أيضا .. إن استبانة سبيل المجرمين ضرورية لاستبانة سبيل المؤمنين. وذلك كالخط الفاصل يرسم عند مفرق الطريق!
إن هذا المنهج هو الذي قرره الله ـ سبحانه ـ ليتعامل مع النفوس البشرية. ذلك أن الله ـ سبحانه ـ يعلم أن إنشاء اليقين الاعتقادي بالحق والخير يقتضي رؤية الجانب المضاد من الباطل والشر ؛ والتأكد من أن هذا باطل ممحض وشر خالص ؛ وأن ذلك حق ممحض وخير خالص .. كما أن قوة الاندفاع بالحق لا تنشأ فقط من شعور صاحب الحق أنه على الحق ؛ ولكن كذلك من شعوره بأن الذي يحادّه ويحاربه إنما هو على الباطل .. وأنه يسلك سبيل المجرمين ؛ الذين يذكر الله في آية أخرى أنّه جعل لكل نبي عدوا منهم (وَكَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ) .. ليستقر في نفس النبي ونفوس المؤمنين أن الذين يعادونهم إنما هم المجرمون ؛ عن ثقة ، وفي وضوح ، وعن يقين. إن سفور الكفر والشر والإجرام ضروري لوضوح الإيمان والخير والصلاح. واستبانة سبيل المجرمين هدف من أهداف التفصيل الرباني للآيات. ذلك أن أي غبش أو شبهة في موقف المجرمين وفي سبيلهم ترتد غبشا وشبهة في موقف المؤمنين وفي سبيلهم. فهما صفحتان متقابلتان ، وطريقان مفترقتان .. ولا بد من وضوح الألوان والخطوط. ومن هنا يجب أن تبدأ كل حركة إسلامية بتحديد سبيل المؤمنين وسبيل المجرمين. ويجب أن تبدأ من تعريف سبيل المؤمنين وتعريف سبيل المجرمين ، ووضوع العنوان المميز للمؤمنين ، والعنوان المميز للمجرمين ، في عالم الواقع لا في عالم النظريات. فيعرف