لا يقدر على ذلك أحد سواه (انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآياتِ). أي : نكرّرها ونبيّنها ونوضّحها ونفسّرها ، دالة على أنه لا إله إلا الله ، وأن ما يعبدون من دونه باطل وضلال ، وبدلا من رؤية الآيات والوصول من خلالها إلى الإيمان يقترحون الآيات والمعجزات تعنتا وعنادا ، (ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُونَ). أي : ثم هم يعرضون عن الآيات بعد ظهورها ، والصدوف : الإعراض عن الشىء.
ثمّ يأتي أمر آخر لرسول الله صلىاللهعليهوسلم بصيغة (قل) : (قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُ اللهِ بَغْتَةً). أي : فجأة بأن لم نظهر أماراته (أَوْ جَهْرَةً). أي : ظهرت أماراته (هَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ). أي : ما يهلك هلاك تعذيب وسخط إلا الذين ظلموا أنفسهم بكفرهم بربهم (وَما نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ) مبشّرين بالجنان لأهل الإيمان ، ومنذرين بالنيران لأهل الكفران ، قال النسفي : ولم نرسلهم ليقترح عليهم الآيات بعد وضوح أمرهم بالبراهين القاطعة والأدلة الساطعة. وقال ابن كثير : مبشّرين عباد الله المؤمنين بالخيرات ومنذرين من كفر بالله النقمات والعقوبات (فَمَنْ آمَنَ وَأَصْلَحَ). أي : فمن آمن من قلبه بما جاءوا به ، وأصلح عمله باتباعه إياهم (فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ). أي : بالنسبة لما يستقبلونه (وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ). أي : بالنسبة إلى ما فاتهم وتركوه وراء ظهورهم من أمر الدنيا فالله وليهم فيما خلّفوه ، وحافظهم فيما تركوه (وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا يَمَسُّهُمُ الْعَذابُ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ). أي : ينالهم العذاب بما كفروا بما جاءت به الرسل ، وبما خرجوا عن أوامر الله وطاعته ، وارتكبوا من مناهيه ومحارمه وانتهاك حرماته ، جعل العذاب ماسّا كأنه حي يفعل بهم ما يريد من الآلام ، وقوله تعالى : (بِما كانُوا يَفْسُقُونَ) يعني أن ذلك بسبب فسقهم وخروجهم عن طاعة الله تعالى بالكفر وفي هذه المجموعة بيان أن العذاب لا يصيب إلا الظالمين الفاسقين ، وأن المؤمنين الصالحين في أمان في دنياهم وأخراهم ، والآن يأتي أمر آخر بصيغة (قل) : (قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزائِنُ اللهِ). أي : قسمه للخلق وأرزاقه ، أو لست أملك خزائنه ولا أتصرف فيها (وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ). أي : ولا أقول لكم إني أعلم الغيب إنما ذاك من علم الله ـ عزوجل ـ ولا أطّلع منه إلا على ما أطلعني عليه (وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ). أي : ولا أدعي أنّي ملك ، إنّما أنا بشر من البشر يوحى إليّ من الله ـ عزوجل ـ شرّفني بذلك وأنعم عليّ به ، والمعنى : لا أدعي هذا ولا هذا أي : لا أدعي ما يستبعد في العقول أن يكون لبشر ، من ملك خزائن الله ، وعلم الغيب ، ودعوى الملكية ، فلماذا تكذبون دعوتي ورسالتي! (إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا