كلمة في المقطع الأول :
قلنا إن محور سورة الأنعام من سورة البقرة هو قوله تعالى : (كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللهِ وَكُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ* هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ).
وفي المقطع الأول من سورة الأنعام تأتي الآيات الثلاث الأولى لتقرر هذه المعاني وتبني عليها ، فتقرّر أنّ الحمد لله الذي خلق السموات والأرض ، وخلق الظلمات والنّور. وتقرّر أنّ الله عزوجل خلق الإنسان من طين ، وجعل له أجلا ، ثم جعل أجلا أخيرا للبشر جميعا ، وأن لله الألوهية في السموات والأرض ، وأنه يعلم السرّ والجهر ، ومع ذلك فالنّاس يشركون بربهم ، ويشكّون بالله واليوم الآخر.
إن الآيات الثلاث الأولى التي تشكّل مقدمة السورة ، تتكلم عن كل معاني المحور ، وتقرر ما قرّرته ، وتبني على ذلك ، وتتحدث عن كفر الإنسان وشكّه وافترائه ، فالصلة واضحة جدا بين مقدّمة السورة في آياتها الثلاث ، وبين محور سورة الأنعام من البقرة ، وإذ كان محور السورة يعجّب من كفر الكافرين ، فإن الآيات السبع التي تأتي بعد المقدمة تحدّثنا عن مواقف الكافرين إذا جاءتهم الآيات ، وكيف أنّهم يكذّبون بالحق إن جاءهم ، وأنه لو أنزل عليهم كتاب من السماء فلمسوه لزعموا أنه سحر ، وكيف أنهم يقترحون أن ينزل على الرسول ملك ، وخلال ذلك يلفت الله عزوجل نظرهم إلى القرون الماضية ليعتبروا ، وأما كون بعثة الرسول صلىاللهعليهوسلم من البشر فذلك مقتضى حكمة الله عزوجل وابتلائه ، وبيّن الله عزوجل لرسوله صلىاللهعليهوسلم أن الاستهزاء بالرّسل صلوات الله وسلامه عليهم سنّة ماضية ، وأن عقوبة الله لهؤلاء المستهزئين سنة ماضية ، وهكذا نجد أن الفقرة التي تأتي بعد مقدمة سورة الأنعام كلها تصبّ في النقاش المباشر مع الكافرين. وصلة ذلك بمحور السورة من البقرة واضحة : (كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللهِ ...).
ثم يختم المقطع بأوامر توجّه إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم تأمره أن يعلن فيها مجموعة إعلانات وبأن يقول مجموعة أقوال ، قول يأمرهم به أن يسيروا في الأرض ليكتشفوا عاقبة المكذّبين ، وقول يوجّه لهم فيه سؤالا عن السموات والأرض لمن هي ، ثمّ يقرّر أنها لله عزوجل ، وقول يعلن فيه رسول الله صلىاللهعليهوسلم أنّه لا يتخذ وليا إلا الله ، وقول يعلن فيه رسول الله صلىاللهعليهوسلم خوفه من الله وخشيته من عذابه يوم القيامة ، وهكذا نجد أن المقطع