ـ بدأ القسم الثالث بالأمر بالبلاغ ، وحدّد في مقطعه الأول مضامين من البلاغ لغير المسلمين ، ثم جاء المقطع الثاني في القسم فحدّد مضامين من البلاغ لأهل الإيمان ، ثم جاءت خاتمة السورة لتطوي الزمن وتعرض علينا في آيتها الأولى كيف أن الله سيجمع الرّسل عليهمالسلام ، ويسألهم عن جواب أقوامهم لهم ، كأن هذه النّقلة تشير إلى أنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم قد بلّغ ، وأن على الناس أن يستجيبوا ، وأنّ الرسول صلىاللهعليهوسلم شهيد على الموقف ، ومن بين الرّسل جميعا يخصّ المسيح عليهالسلام بكلام تتقرّر فيه صحة ما دعا رسول الله صلىاللهعليهوسلم إليه في شأنه مما يخدم معاني المقطع الأول في القسم الثالث ومعاني في القسمين الأول والثاني (يَوْمَ يَجْمَعُ اللهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ ما ذا أُجِبْتُمْ؟ قالُوا لا عِلْمَ لَنا إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ إِذْ قالَ اللهُ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ ...).
فالخاتمة مرتبطة بالقسم السابق عليها مباشرة ، ومرتبطة بمحور السورة ، وكلّ ذلك قد جاء من خلال عرض مشهد من مشاهد يوم القيامة ، يعرض الله ـ عزوجل ـ علينا فيه حقيقة عيسى وأمّه ، وحقيقة دعوته ، وذلك بعد أن مر معنا أكثر من مرة كفر الذين غلوا في شأنه ، فكأنّ السورة ذكرت في السياق ما يناسبه من شأن القائلين بألوهية المسيح عليهالسلام ، حتى إذا فرغت السورة من تقرير الأحكام ، وبيان ما يقتضيه سياقها ، خلصت إلى ذكر حقيقة المسيح وأمه عليهماالسلام ، وحقيقة دعوته.
ـ لقد رأينا في السورة نقض اليهود والنصارى للمواثيق ، ورأينا غلوّ النصارى في المسيح عليهالسلام وأمه في أكثر من مكان ، وفي خاتمة السورة يأتي تقرير مسألة المسيح وأمه عليهماالسلام على حقيقتها التي ينبغي أن يرجع النّاس إليها.
ـ قلنا عن سورة المائدة إنها استمرار لسورة النساء في كونها تفصّل هي وسورة النساء ، وسورة الأنعام بعدهما ، في مقطع الطريقين : الطريق إلى التقوى ، والطريق إلى الكفر والنفاق. وفصّلت سورة النساء بشكل أخص في الآية : (يا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) وفصلت سورة المائدة بشكل أخص في قوله تعالى : (وَما يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفاسِقِينَ* الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ وَيَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ).