٢ ـ الجمهور على أن العامد والنّاسي سواء في وجوب الجزاء على من صاد وهو محرم. وقال الزهري : دل الكتاب على العامد ، وجرت السنّة على النّاسي ، ومعنى هذا أنّ القرآن دل على وجوب الجزاء على المتعمّد وعلى تأثيمه بقوله : (لِيَذُوقَ وَبالَ أَمْرِهِ عَفَا اللهُ عَمَّا سَلَفَ ، وَمَنْ عادَ فَيَنْتَقِمُ اللهُ مِنْهُ) وجاءت السنة من أحكام النبي صلىاللهعليهوسلم ، وأحكام أصحابه بوجوب الجزاء على الخطأ ، كما دلّ الكتاب عليه في العمد. وأيضا فإنّ قتل الصيد إتلاف ، والإتلاف مضمون في العمد وفي النسيان ، لكن المتعمّد مأثوم ، والمخطىء غير ملوم : وكثيرا ما يكون الفارق بين الخطأ والعمد لا من حيث الجزاء الدنيوي بل في الإثم والعقوبة الأخرويين.
٣ ـ حكم الصحابة في النّعامة ببدنة ، وفي بقرة الوحش ببقرة ، وفي الغزال بعنز. ومن قصصهم في هذا الباب ما يلي : أخرج ابن أبي حاتم .. عن ميمون بن مهران : أنّ أعرابيا أتى أبا بكر فقال : قتلت صيدا وأنا محرم ، فما ترى عليّ من الجزاء؟ فقال أبو بكر رضي الله عنه لأبيّ بن كعب وهو جالس عنده : ما ترى فيما قال؟ فقال الأعرابي : أتيتك وأنت خليفة رسول الله صلىاللهعليهوسلم أسألك. فإذا أنت تسأل غيرك؟ فقال أبو بكر : وما تنكر؟ يقول الله تعالى : (فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ) فشاورت صاحبي ، حتى إذا اتفقنا على أمر أمرناك به. وهذا إسناد جيّد لكنه منقطع. أفترى أنّ الصّديق قد بيّن له الحكم برفق وتؤدة لمّا رآه أعرابيا جاهلا ، وإنما دواء الجهل التعليم ، فأمّا إذا كان المعترض منسوبا إلى العلم فقد روى ابن جرير ... عن قبيصة بن جابر قال : خرجنا حجاجا فكنّا إذا صلينا الغداة اقتدنا رواحلنا فنتماشى نتحدث ، قال : فبينما نحن ذات غداة إذ سنح (مرّ من اليمين إلى اليسار وعكسه : برح) لناظبي أو برح فرماه رجل كان معنا بحجر فما أخطأ حشاه ، فركب وودعه ميتا ، قال : فعظمنا عليه ، فلما قدمنا مكة خرجت معه حتى أتينا عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، فقصّ عليه القصّة فقال : وإذا إلى جنبه رجل كأنّ وجهه قلب فضة ـ يعني عبد الرحمن بن عوف فالتفت عمر إلى صاحبه فكلّمه ، قال : ثم أقبل على الرجل فقال : أعمدا قتلته أم خطأ؟ فقال الرجل : لقد تعمدت رميه ، وما أردت قتله ، فقال عمر : ما أراك إلا شركت بين العمد والخطأ ، اعمد إلى شاة فاذبحها وتصدق بلحمها واستبق إهابها ، قال : فقمنا من عنده ، فقلت لصاحبي : أيها الرجل عظّم شعائر الله ، فما درى أمير المؤمنين ما يفتيك حتى سأل صاحبه ، اعمد إلى ناقنك فانحرها فلعل ذلك يعني أن يجزىء عنك. قال قبيصة : ولا أذكر الآية من سورة المائدة (يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ) فبلغ عمر مقالتي ، فلم يفجأنا منه إلا ومعه الدّرّة ، قال : فعلا صاحبي