فما غناء أن تنهى الناس عن أكل الحرام مثلا في مجتمع يقوم اقتصاده كله على الربا ؛ فيستحيل ماله كله حراما ؛ ولا يملك فرد فيه أن يأكل من حلال .. لأن نظامه الاجتماعي والاقتصادي كله لا يقوم على شريعة الله. لأنه ابتداء يرفض ألوهية الله برفض شريعته للحياة؟!
وما غناء أن تنهى الناس عن السكر في مجتمع قانونه يبيح تداول وشرب الخمر ، ولا يعاقب إلا على حالة السكر البيّن في الطريق العام. وحتى هذه لا يعاقب فيها بحد الله. لأنه لا يعترف ابتداء بحاكمية الله؟!.
وما غناء أن تنهى الناس عن سبّ الدين ؛ في مجتمع لا يعترف بسلطان الله ؛ ولا يعبد فيه الله. إنما هو يتخذ أربابا من دونه ؛ ينزلون له شريعته وقانونه ؛ ونظامه وأوضاعه ، وقيمه وموازينه. يضعون لهم الشرائع والقوانين ؛ ويضعون لهم القيم والموازين؟!
ما غناء الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في مثل هذه الأحوال؟ ما غناء النهي عن هذه الكبائر ـ فضلا عن أن يكون النهي عن الصغائر ـ والكبيرة الكبرى لا نهي عنها .. كبيرة الكفر بالله ، برفض منهجه للحياة؟!
إن الأمر أكبر وأوسع وأعمق ، مما ينفق فيه هؤلاء «الطيبون» جهدهم وطاقتهم واهتمامهم .. إنه ـ في هذه المرحلة ـ ليس أمر تتبع الفرعيات ـ مهما تكن ضخمة حتى ولو كانت هذه حدود الله. فحدود الله تقوم ابتداء على الاعتراف بحاكمية الله دون سواه. فإذا لم يصبح هذا الاعتراف حقيقة واقعة ؛ تتمثل في اعتبار شريعة الله هي المصدر الوحيد للتشريع ؛ واعتبار ربوبية الله وقوامته هي المصدر الوحيد للسلطة .. فكل جهد في الفروع ضائع ؛ وكل محاولة في الفروع عبث .. والمنكر الأكبر أحق بالجهد والمحاولة من سائر المنكرات .. والرسول صلىاللهعليهوسلم يقول : «من رأى منكم منكرا فليغيره بيده ، فإن لم يستطع فبلسانه ، فإن لم يستطع فبقلبه. وذلك أضعف الإيمان». وقد يجىء على المسلمين زمان لا يستطيعون فيه تغيير المنكر بأيديهم ؛ وهذا ما لا يملك أحد أن يحول بينهم وبينه ، إن هم كانوا حقا على الإسلام.
وليس هذا موقفا سلبيا من المنكر ـ كما يلوح في بادىء الأمر ـ وتعبير الرسول صلىاللهعليهوسلم بأنه تغيير دليل على أنه عمل إيجابي في طبيعته. فإنكار المنكر بالقلب ، معناه احتفاظ هذا القلب بإيجابيته تجاه المنكر .. إنه ينكره ويكرهه ولا يستسلم له ، ولا يعتبره الوضع