تيئيس من اليهود ، ورجاء في النصارى ، وقد جاء هذا كله في السياق الخاص للسورة. بعد المقطع الذي ذكر الله ـ عزوجل ـ فيه التوراة والإنجيل ، وموقف أهلهما منهما ، فكأن السياق اقتضى أن يخص هؤلاء بمقطع ودعوة خاصة ، وقد سبق ذلك بيان انصبّ على أنّ علينا أن لا نتولاهم ، وسبق ذلك أيضا كلام بيّن لنا فيه نسيان هؤلاء للعهود والعقود : ولنتأمل الآن الصلة بين المقطع ، وبين محور السورة من سورة البقرة :
لقد قلنا إن محور سورة المائدة من سورة البقرة هو الآيتان : (إِنَّ اللهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً ما بَعُوضَةً فَما فَوْقَها فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ ما ذا أَرادَ اللهُ بِهذا مَثَلاً يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً وَما يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفاسِقِينَ* الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ وَيَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ).
لاحظ أن الآية الأولى في المقطع الذي مرّ معنا نجد قوله تعالى :
(وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ) لاحظ الصلة بين (إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ) وبين (وَما يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفاسِقِينَ) وفي الآية الثانية من المقطع نجد قوله تعالى : (وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْياناً وَكُفْراً) لاحظ صلة ذلك في المحور بقوله تعالى : (وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ ما ذا أَرادَ اللهُ بِهذا مَثَلاً يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً وَما يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفاسِقِينَ).
وفي الآية الرابعة من المقطع نجد قوله تعالى : (لَقَدْ أَخَذْنا مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ وَأَرْسَلْنا إِلَيْهِمْ رُسُلاً كُلَّما جاءَهُمْ رَسُولٌ بِما لا تَهْوى أَنْفُسُهُمْ فَرِيقاً كَذَّبُوا وَفَرِيقاً يَقْتُلُونَ).
لاحظ صلة ذلك بقوله تعالى في المحور (الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ) وفي الآية (٧٩) والآية (٨٠) في المقطع نجد (تَرى كَثِيراً مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ ما قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذابِ هُمْ خالِدُونَ وَلَوْ كانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالنَّبِيِّ وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِياءَ وَلكِنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ فاسِقُونَ) لاحظ صلة ذلك بقوله تعالى في المحور (وَيَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ) فهؤلاء يصلون ما أمر الله به أن يقطع ، ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل لذلك يأتي بعد الآيتين السابقتين قوله تعالى : (لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَداوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا