تقوى ، ولم تنتصب لإسلام وما غلبوا إلا بحبل الله وحبل من الناس (وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً) بنشر الفاحشة حيث كانوا ، وقتل أخلاق الشعوب ، ومقاومة الخير ونشر أفكار الضلال والكفر (وَاللهُ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ) ولذلك فإنّه لا يحبهم بل يبغضهم (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتابِ آمَنُوا) بالله وبرسوله عليه الصلاة والسلام (وَاتَّقَوْا) باتّباع كتاب الله ، فقرنوا إيمانهم بالتقوى (لَكَفَّرْنا عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ). أي : لسترناها عليهم ولم نؤاخذهم بها ، (وَلَأَدْخَلْناهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ) لكونهم مسلمين (وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقامُوا التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ) ، أي أقاموا أحكامهما وحدودهما ، وما فيهما من نعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم (وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ) من القرآن (لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ) يعني الثمار من فوق رؤوسهم (وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ) يعني الزروع ، وهذا كله يفيد التوسعة ، دلّت الآية على أن العمل بطاعة الله تعالى سبب لسعة الرزق (مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ). أي : طائفة حالها الاقتصاد في مواقفها ، أي ليست مسرفة ومتجاوزة للحدّ فهي مؤمنة ، وتعمل صالحا باقتصاد (وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ ساءَ ما يَعْمَلُونَ) أي : وكثير منهم ما أسوأ عملهم.
فوائد :
١ ـ قال النسفي في قوله تعالى : (وَقالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ) غل اليد وبسطها مجاز عن البخل والجود ، ومنه قوله تعالى : (وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ) (الإسراء : ٢٩)
٢ ـ قال ابن كثير في سبب نزول الآية : (وَقالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ). «وقد قال عكرمة : إنها نزلت في فنخاص اليهودي ـ عليه لعنة الله ـ ، وقد تقدم أنه الذي قال : (إِنَّ اللهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِياءُ) فضربه أبو بكر الصديق رضي الله عنه. وروى محمد بن إسحق عن ابن عباس قال : قال رجل من اليهود يقال له شاس بن قيس : إن ربك بخيل لا ينفق ، فأنزل الله : (وَقالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِما قالُوا بَلْ يَداهُ مَبْسُوطَتانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشاءُ).
٣ ـ روى الإمام أحمد والبخاري ومسلم عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «إن يمين الله ملأى ، لا يغيضها نفقة ، سحّاء الليل والنهار ، أرأيتم ما أنفق منذ خلق السموات والأرض ، فإنه لم يغض ما في يمينه ، قال : وعرشه على الماء ، وفي يده الأخرى القبض يرفع ويخفض ... قال : وقال الله تعالى : أنفق أنفق عليك».