إنه أمر هائل عظيم .. ولكنه كذلك .. ومن ثم كان الرسل ـ صلوات الله عليهم ـ يحسون بجسامة ما يكلفون. وكان الله ـ سبحانه ـ يبصرهم بحقيقة العبء الذي ينوطه بهم .. وهذا هو الذي يقول الله عنه لنبيه : (إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً.). ويعلمه كيف يتهيأ له ويستعد : (يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلاً. نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً. أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً .. إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً.). (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنْزِيلاً. فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً. وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلاً. وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلاً طَوِيلاً.). وهذا هو الذي يشعر به نبيه صلىاللهعليهوسلم وهو يأمر أن يقول وأن يستشعر حقيقة ما يقول : (قُلْ : إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللهِ أَحَدٌ ، وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً .. إِلَّا بَلاغاً مِنَ اللهِ وَرِسالاتِهِ.) .. (عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً ، إِلَّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ ، فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً .. لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسالاتِ رَبِّهِمْ. وَأَحاطَ بِما لَدَيْهِمْ وَأَحْصى كُلَّ شَيْءٍ عَدَداً.)
إنه الأمر الهائل العظيم .. أمر رقاب الناس .. أمر حياتهم ومماتهم .. أمر سعادتهم وشقائهم .. أمر ثوابهم وعقابهم .. أمر هذه البشرية ، التي إما أن تبلغ إليها الرسالة فتقبلها وتتبعها فتسعد في الدنيا والآخرة. وإما أن تبلغ إليها فترفضها وتنبذها فتشقى في الدنيا والآخرة. وإما ألا تبلغ إليها فتكون لها حجة على ربها ، وتكون تبعة شقائها في الدنيا وضلالها معلقة بعنق من كلف التبليغ فلم يبلغ!.
فأما رسل الله ـ عليهم الصلاة والسلام ـ فقد أدوا الأمانة وبلغوا الرسالة ، وأفضوا إلى ربهم خالصين من هذا الالتزام الثقيل .. وهم لم يبلغوها دعوة باللسان ، ولكن بلغوها ـ مع هذا ـ قدوة ممثلة في العمل ، وجهادا مضنيا بالليل والنهار لإزالة العقبات والعوائق .. سواء كانت هذه العقبات والعوائق شبهات تحاك ، وضلالات تزين ، أو كانت قوى طاغية تصد الناس عن الدعوة وتفتنهم في الدين. كما صنع رسول الله صلىاللهعليهوسلم خاتم النبيين. بما أنه المبلغ الأخير. وبما أن رسالته هي خاتمة الرسالات. فلم يكتف بإزالة العوائق باللسان. إنما أزالها كذلك بالسنان (حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ.). وبقي الواجب الثقيل على من بعده .. على المؤمنين برسالته .. فهناك أجيال وراء أجيال جاءت وتجىء بعده صلىاللهعليهوسلم وتبليغ هذه الأجيال منوط ـ بعده ـ بأتباعه. ولا فكاك لهم من التبعة الثقيلة ـ تبعة إقامة حجة الله على الناس ، وتبعة استنقاذ الناس من