حال المنافقين ، وأن أساس نفاقهم هو موالاة الكافرين ، نهى الله عباده المؤمنين عن اتخاذ الكافرين أولياء من دون المؤمنين. أي : نهى عن مصاحبتهم ، ومصادقتهم ، ومناصحتهم ، وإسرار المودة إليهم ، وإفشاء أحوال المؤمنين الباطنة إليهم. ثم حذر أنه إن فعلنا ذلك ، فإننا نكون قد جعلنا الحجة قائمة علينا في استحقاقنا عقوبة الله.
ثم بين الله ـ عزوجل ـ ما أعده من عقوبة للمنافقين ، جزاء على كفرهم الغليظ. وهو استحقاقهم العذاب في أسفل النار ، في توابيت من نار ، مغلقة عليهم ، مقفلة. وأنهم لا ناصر لهم من الله ينقذهم مما هم فيه. ويخرجهم من أليم العذاب. ثم أخبر تعالى أنه من تاب منهم في الدنيا ، تاب الله عليه ، وقبل ندمه إذا أخلص في توبته ، وأصلح عمله ، واعتصم بربه في جميع أمره ، وبدل الرياء بالإخلاص. فعندئذ يكونون في زمرة المؤمنين. ينالهم ما ينالهم من الأجر العظيم. ثم أخبر تعالى عن غناه عما سواه وأنه إنما يعذب العباد بذنوبهم ، وأنه منزه ـ تعالى ـ أن يعذب من أصلح العمل وآمن. إذ إنه تعالى يشكر من شكر له. ومن آمن علم ذلك منه وجازاه على ذلك أوفر الجزاء.
في هذا السياق الذي علمنا فيه الله ـ عزوجل ـ أنه منزه عن مقابلة الشكر والإيمان بالعذاب ، وأنه يعذب من يستحق العذاب ، أدبنا على ألا ندعوا على أحد إلا إذا ظلمنا ، وألا نتكلم على أحد إلا إذا ظلمنا. وندبنا إلى العفو حتى في مثل هذا ؛ لأن من صفاته هو ، العفو مع كمال القدرة. ثم بين لنا أنه إن عاقب ، لا يعاقب إلا بعد استحقاق العذاب. فليحذر أحد عقوبته العادلة ، إن كفر أو نافق.
ثم يعود السياق إلى الكلام عن الكفر ـ الذي ينقض الإيمان ـ وعن أهله. إذ المقطع كله في قضية الإيمان ، وما ينقضها من كفر ، أو نفاق. فتوعد الله الكافرين به ـ تعالى ـ وبرسله. وخاصة الذين يفرقون بين الله ورسله في الإيمان. فيؤمنون ببعض ، ويكفرون ببعض بمحض التشهي والعادة وما ألفوا عليه آباءهم ، لا عن دليل قادهم إلى ذلك ، فإنه لا سبيل لهم إلى ذلك ، بل بمجرد الهوى والعصبية ، كحال اليهود. إذ كفروا بعيسى ، وكحالهم وحال النصارى إذ كفروا بمحمد صلىاللهعليهوسلم ، فمن كفر بنبي من الأنبياء ، فقد كفر بسائر الأنبياء. فإن الإيمان واجب بكل نبي بعثه الله إلى الأرض. فمن رد نبوة واحد منهم ، فقد رد نبوة الكل. لذلك وصف الله ـ عزوجل ـ أمثال هؤلاء بأن كفرهم محقق لا شك فيه ، وأنهم كما استهانوا بمن كفروا به ، إما لعدم نظرهم