ولو لا عصمة الله وحفظه ولطفه (لَهَمَّتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ.) أي : من الناس (أَنْ يُضِلُّوكَ.) أي : عن القضاء بالحق وتوخي طريق العدل وجعلك تدافع عن العصاة. (وَما يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ) بمحاولتهم ، وهمهم وتبييتهم لأن وبال ذلك عليهم. أما رسول الله صلىاللهعليهوسلم فمحفوظ بحفظ الله ، وكذلك من كان على قدمه ، مع فارق العصمة فهو عليه الصلاة والسلام معصوم ، ومن على قدمه تحتمل في حقه الزلة. (وَما يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ) إن وقفت عند حدود الله ، وعملت بما ظهر لك ، ولم يخطر ببالك أن الحقيقة على خلاف ذلك. (وَأَنْزَلَ اللهُ عَلَيْكَ) يا محمد (الْكِتابَ.) أي : القرآن (وَالْحِكْمَةَ.) أي : السنة. (وَعَلَّمَكَ ما لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ.) أي : من أمور الدين والشرائع. (وَكانَ فَضْلُ اللهِ عَلَيْكَ عَظِيماً.) أي : فيما علمك وأنعم عليك ، والخطاب لرسول الله صلىاللهعليهوسلم ، خطاب لأمته ، فهذا الفضل على رسول الله صلىاللهعليهوسلم ورثته عنه أمته.
فوائد :
١ ـ شرحنا هذه الآيات بما يقتضيه عمومها ، لأن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب. ولكن سبب النزول يساعد على فهم النص ، لأنه يكون مثالا على ما يمكن أن يدخل في النص مع بقاء عموم اللفظ على حاله ، وقبل أن نذكر أسباب نزول هذه الآيات في فائدة لاحقة ، نحب هنا أن ننبه على أن مما يدخل تحت عموم هذه الآيات بطريق الأولى في عصرنا صنعة المحاماة التي هي في كثير من أحوالها دفاع عن العصاة والخائنين ، ومما يدخل تحت هذا العموم ، الدفاع عن أي مذنب وعاص ، وخائن لله ورسوله وجماعة المسلمين في أمر ما.
٢ ـ قوله تعالى : (لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِما أَراكَ) احتج به من ذهب من علماء الأصول إلى أنه كان صلىاللهعليهوسلم له أن يحكم بالاجتهاد بهذه الآية ، وبما ثبت في الصحيحين «أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم سمع جلبة خصم بباب حجرته ، فخرج إليهم فقال : ألا إنما أنا بشر ، وإنما أقضي بنحو مما أسمع ، ولعل أحدكم أن يكون ألحن بحجته من بعض ، فأقضي له ، فمن قضيت له بحق مسلم ، فإنما هي قطعة من النار فليحملها أو ليذرها».
٣ ـ وفي سبب نزول الآيات السابقة ، وآيتين بعدها ، يروي الترمذي وابن جرير عن قتادة بن النعمان رضي الله عنه قال : «كان أهل بيت منا يقال لهم : بنو أبيرق ، بشر ، وبشير ، ومبشر ، وكان بشير رجلا منافقا يقول الشعر يهجوبه أصحاب رسول