ضمن توضيح قضايا من الحق والعدل ، كجزء من مفهوم التقوى التي هي محور السورة الرئيسي. وبعد الأمر بالحق والنهي عن الدفاع عن أهل الباطل في الآية الأولى من هذا المقطع ، يصدر الأمر بالاستغفار ؛ لدقة قضية الحق ؛ ولدقة الموقف من أهل الباطل ، ولكن الله واسع المغفرة والرحمة ، يغفر ويرحم لمن يجهد في إقامة الحق ، ويحرر نفسه من الوقوف بجانب أهل الباطل. ثم يؤكد الله ـ عزوجل ـ نهيه عن الدفاع عمن يعمل الباطل ويخون نفسه بفعله الإثم ، وذلك لأن الله لا يحب من كانت صفته الخيانة والإثم ، فكيف يدافع المؤمن عمن يبغضه الله. فههنا إذن قضيتان متلازمتان ، الحكم بالحق ، وترك الدفاع عن أهل الباطل ، والله ـ عزوجل ـ ينفر من الدفاع عن أهل الباطل بتبيان صفاتهم المنفرة ، ومن ذلك استخفاؤهم من الناس ، وإخفاؤهم قبائحهم عنهم ؛ لئلا ينكروا عليهم ، ويجاهرون الله بها فلا يستخفون منه ؛ لأنهم منافقون ، إيمانهم بالله مضطرب وغير صحيح. فيبيتون الباطل والظلم ، ومن هذا شأنهم فكيف يدافع المؤمن عنهم ، والله هو المحيط بأعمالهم ، وهو محاربهم ومعاديهم. وإذا افترض أحد أن هؤلاء الخائنين قد استفادوا من مجادلة المؤمنين عنهم ، فمن يستطيع الجدال عنهم يوم القيامة ، أو من يتوكل لهم يومئذ ـ يوم القيامة ـ في ترويج دعواهم؟ فإذا كان الأمر كذلك ، والله محيط هذه الإحاطة ، فلا يدافعن مسلم عن خائن.
وفي عصرنا هذا ـ عصر القانون والمحاماة ـ تظهر أهمية هذا التوجيه ، إذ يقرر أن صيغة الحق هي كتاب الله ، وأن الدفاع عمن يختانون أنفسهم لا يجوز.
ثم يستمر السياق بعد أن وضح النهي عن الدفاع عن الخائنين ، يستمر مقررا ثلاث حقائق رئيسية ، الأولى : أن المذنب المسىء إذ استغفر يغفر الله له. والثانية : أن كل إنسان مسئول عن نفسه ، وأنه لا تزر وازرة وزر أخرى ، وأن إثم الآثم لا يتعداه. والثالثة : أن الذي يرتكب الخطيئة ، أو الإثم ، ثم يرمي به الأبرياء ، فقد اجتمع عليه ذنبان ، ذنب البهتان ، وإثمه الأصلي. وإذ تتقرر هذه الحقائق الثلاث المرتبطة بموضوع عدم الدفاع عن الخائنين ، يبين الله ـ عزوجل ـ أن بقاء الإنسان على الحق ، وعدم تبنيه للدفاع عن الخائنين ، لا يكون إلا بتوفيق من الله ، خاصة مع وجود الراغبين في الإضلال ، الذين لا يضلون إلا أنفسهم ولا يضرون غيرها. ثم يذكر الله رسوله صلىاللهعليهوسلم بنعمته عليه بإنزال الكتاب عليه ، وتعليمه الحكمة ، وتعليمه ما كان يجهله ، وهذا يدل على عظم ما خص الله به رسوله صلىاللهعليهوسلم ، من الفضل العظيم ، الذي من مقتضيات