وكان باستطاعتهم الهجرة ، وبناء على تقصيرهم هذا فإن الله قد حكم عليهم بالعذاب في نار جهنم ، ثم أخرج الله ـ عزوجل ـ من هؤلاء المستضعفين حقيقة ، كالنساء والأولاد. فهؤلاء لا يقدرون أن يتخلصوا من أيدي الكافرين ، ولو قدروا ما عرفوا أن يسلكوا طرق الهجرة ، فهؤلاء عسى الله أن يتجاوز عنهم بتركهم الهجرة ، إذ هو عفو لمن يستحق المغفرة والعفو ، ومشيئته مع هذا مطلقة يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء.
ثم حض الله ـ عزوجل ـ على الهجرة ، ورغب فيها ، وحرض إليها مبينا أن المؤمن حيثما ذهب وجد مندوحة وملجأ يتحصن فيه ، ويراغم به أعداء الله ، ورزقا واسعا ، ووعد من يخرج من منزله بنية الهجرة فيموت في أثناء الطريق ، أن يعطيه ثواب من هاجر ، وذلك من كمال مغفرته ورحمته.
فإذا وصل السياق في هذا المقطع إلى نهاية هذه المعاني ينتقل السياق إلى بيان قضايا متعلقة بالصلاة أثناء الهجرة والحرب ، وكالعادة في شأن آيات القرآن إذا نظر إليها من خلال السياق ، تعطي معاني ، وإذا نظر إلى كل كلمة منها في محلها فإنها تفيد معاني تكمل تلك ، وذلك من إعجاز هذا القرآن. وقبل أن نستعرض ما ورد من معان حول الصلاة في هذا السياق نذكر بما ذكر قبله : أمر الله المسلمين بالتبين إذا قاتلوا أو قتلوا في سبيل الله ، حتى لا يقتلوا مؤمنا ، ولكي لا يوقفهم التبين عن الجهاد بين الله فضيلة الجهاد ليجمع المسلمون بين الجهاد والتبين ؛ حتى لا يعطلوا الجهاد بحجة التبين ، ولما كان التبين لصالح المسلمين المقيمين بين ظهراني الكافرين ، فقد حذر هؤلاء من المقام بين ظهراني الكافرين ، وأمرهم بالهجرة إلى دار الإسلام ، وأوجبها عليهم ، وهي قضية ستتضح معنا أثناء التفسير الحرفي وفوائده ، وبمناسبة الجهاد والهجرة ، فقد ذكر أحكاما في الصلاة ، منها ما هو مرتبط بالهجرة والسفر ، ومنها ما هو مرتبط بالجهاد واحتمالاته.
فبين الله ـ عزوجل ـ أن المسافر المهاجر له أن يقصر الصلاة مراعاة لوضعه إذ يحتمل أن يلحق به الكافرون ، ويفتنوه عن دينه ، إذ عداوة الكافرين شديدة واضحة. ثم بين الله ـ عزوجل ـ أنه في حالة اللقاء مع الأعداء ، فإن للمسلمين أن يصلوا صلاة الخوف التي يجتمع فيها إقامة العبادة والحذر واليقظة بآن واحد ، بأن يجتمع مع الصلاة مراقبة العدو والاستعداد بالسلاح ، وسنرى تفصيل ذلك في التفسير الحرفي وفوائده. ثم يأمر الله ـ عزوجل ـ بكثرة الذكر بعد صلاة الخوف ، والذكر وإن كان مشروعا