٨ ـ كان ابن عباس يرى أن قاتل العمد لا تقبل توبته ، وفي هذا نظر. كيف وقد ثبت في الصحيحين خبر الإسرائيلي الذى قتل مائة نفس ، ثم سأل عالما هل لي من توبة؟ فقال : من يحول بينك وبين التوبة؟ ثم أرشده إلى بلد يعبد الله فيه ، فهاجر إليه ، فمات في الطريق ، فقبضته ملائكة الرحمة ، وإذا كان هذا في بني إسرائيل ، فلأن يكون في هذه الأمة التوبة مقبولة بطريق الأولى والأحرى ، لأن الله وضع عنا الآصار والأغلال التي كانت علينا ، وبعث نبينا بالحنيفية السمحة.
٩ ـ ولقاتل العمد أحكام في الدنيا ، وأحكام في الآخرة ، فأما في الدنيا ، فتسليط أولياء المقتول عليه ، وهم مخيرون بين أن يقتلوا أو يعفوا ، أو يأخذوا دية مغلظة أثلاثا ، ثلاثون حقة ، وثلاثون جذعة ، وأربعون خلفة ، واختلف الأئمة هل تجب عليه كفارة عتق رقبة ، أو صيام شهرين متتابعين ، أو إطعام؟ فالشافعي وأصحابه وطائفة من العلماء يقولون : نعم يجب عليه ، وقال الإمام أحمد وأصحابه وآخرون : قتل العمد أعظم من أن يكفر ، فلا كفارة فيه. وقد احتج من ذهب إلى وجوب الكفارة بحديث رواه الإمام أحمد عن واثلة بن الأسقع قال : «أتى النبي صلىاللهعليهوسلم نفر من بني سليم فقالوا : إن صاحبا لنا أوجب ، قال : فليعتق رقبة ، يفدي الله بكل عضو منها عضوا من النار».
كلمة في السياق :
إذا كانت سورة النساء في سياقها العام توضيحا لقضية التقوى فإن هذا المقطع بين أن مما يدخل في التقوى القتال ومقتضياته من طاعة ، وانضباط وإرادة ، وأن مما يدخل في التقوى قتال المنافقين وقتلهم بشروطه ، وأن مما يتنافى مع التقوى قتل المؤمن عمدا ، وأن مما يدخل في التقوى الكفارة والدية في حالة القتل الخطأ ، وأن مما يدخل في التقوى الشفاعة الخيرة ورد السلام ، والتوحيد الخالص ، والتصديق الكامل. وقد صحح الله ـ عزوجل ـ بهذا المقطع مفاهيم كثيرة خاطئة عن التقوى ، يمكن أن يقع فيها المؤمنون سواء في مواقفهم من قتال الكافرين ، أو في مواقفهم من قتال المنافقين. ولنا عودة على السياق فيما بعد إن شاء الله.
المقطع السابع
ويمتد من الآية (٩٤) إلى الآية (١٠٤) وهذا هو :