عباس في تفسيرها : لاتبعتم الشيطان كلكم ، لأن القليل في اللغة يطلق على العدم.
فائدة : في الحديث المتفق عليه أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه حين بلغه أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم طلق نساءه ، فجاء من منزله حتى دخل المسجد ، فوجد الناس يقولون ذلك ، فلم يصبر حتى استأذن على النبي صلىاللهعليهوسلم ، فاستفهمه أطلقت نساءك؟ فقال : لا. فقلت : الله أكبر. وذكر الحديث بطوله. وعن مسلم : فقلت أطلقتهن؟ فقال : لا. فقمت على باب المسجد فناديت بأعلى صوتي ، لم يطلق الرسول صلىاللهعليهوسلم نساءه ، فنزلت هذه الآية (وَإِذا جاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذاعُوا بِهِ ، وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ ...) فكنت أنا استنبطت ذلك الأمر. نفهم من هذا أن الاستنباط ، ورد الأمر إلى الرسول صلىاللهعليهوسلم وإلى أولي الأمر ليس خاصا في قضايا القتال التي فهمناها من خلال السياق. وإذا لاحظنا أن أولي الأمر في المقطع السابق فسرت بالعلماء على أحد أوجه التفسير ندرك وجاهة من يدخل في هذه الآية قضية الاجتهاد الذي هو استنباط الأحكام لما يجد ، وقضية المجتهدين الذين أهلتهم ملكاتهم وعلمهم وتقواهم لاستنباط الأحكام.
وبعد أن أمر الله ـ عزوجل ـ في هذا المقطع أمرا عاما للمؤمنين جميعا أن يقاتلوا على طريقة حرب العصابات ، أو على طريقة الحرب النظامية ، أو على حسب مقتضيات الجهاد ، وعاب على المتباطئين والمثبطين ، وعالج مرض الراغبين في تأخير القتال ، وربى المسلمين على الطاعة والصمت ، والكتمان ، يصدر الآن أمرا لكل فرد على حدة من خلال الأمر لرسول الله صلىاللهعليهوسلم أن يقاتل ، وأن يحرض المسلمين على القتال ، مبينا أن بأس الكافرين لا ينكف إلا بذلك ، قال : (فَقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللهِ لا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ.) أي : لا تكلف غير نفسك وحدها أن تقدمها إلى الجهاد ، فإن الله تعالى ناصرك لا الجنود. والمعنى : وإن أفردوك وتركوك وحدك ، فقاتل. (وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ.) أي : حضهم على القتال ورغبهم فيه ، وشجعهم عليه (عَسَى اللهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا.) أي : عسى الله بتحريضك على القتال ، وقتالك ، أن يكف بطش الذين كفروا وشدتهم ، وعسى كلمة مطمعة ، غير أن إطماع الكريم أعود من إنجاز اللئيم (وَاللهُ أَشَدُّ بَأْساً) من الكافرين (وَأَشَدُّ تَنْكِيلاً) أي : وأشد تعذيبا ، يفهم من ذلك : أن بأس الكافرين شديد ، وتنكيلهم بالمؤمنين شديد ، ولكن بأس الله وتنكيله أشد. وقد دلت الآية أن بأس الكافرين الشديد ، وتنكيلهم الشديد بالمؤمنين ،