بانضباط ، وطاعة. ونحن المسلمين مكلفون بالطاعة بشرط أن تكون الطاعة مبصرة ، ولأهلها. ومن ثم تأتي الآيات الثلاث القادمة مقررة ومعالجة ومبينة. (مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللهَ ... :) وذلك لأن رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، لا يأمر ولا ينهى إلا بما أمر الله به ونهى عنه ، فكانت طاعته في أوامره ونواهيه طاعة لله ، ومن أدرك هذه الحقيقة ، أعطى رسول الله صلىاللهعليهوسلم منتهى الطاعة ، وكان في غاية الانضباط ، وهذا ما كان ، وهذا مظهر من مظاهر المعجزة التي خلقها الله على يد رسوله صلىاللهعليهوسلم في أمة العرب ، وقد أدخل رسول الله صلىاللهعليهوسلم في هذه الطاعة التي تعني طاعة الله في النهاية ، طاعة الأمراء كما ثبت في الصحيحين عنه صلىاللهعليهوسلم : «من أطاعني فقد أطاع الله. ومن عصاني ، فقد عصى الله. ومن أطاع الأمير ، فقد أطاعني. ومن عصى الأمير وهناك ـ رواية يقول : ومن عصى أميري ـ فقد عصاني». والملاحظ في هذا الحديث على إحدى رواياته ، أنه أطلق لفظ الأمير. والمراد به الأمير المسلم ، المؤمر بالحق والسائر بالحق والقائم بالحق ، وأول من يدخل في ذلك ، أمراء رسول الله صلىاللهعليهوسلم. وأمراء الخلافة الراشدة. (وَمَنْ تَوَلَّى.) أي : ومن أعرض عن الطاعة : (فَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً.) أي : فما أرسلناك عليهم تحفظ أعمالهم ؛ وتحاسبهم عليها وتعاقبهم. بل أمر ذلك إلى الله ، وفي ذلك تهديد لمن أعرض عن الطاعة. ثم أخبر تعالى عن حال المنافقين من كونهم يظهرون الموافقة والطاعة. ويبيتون الخلاف ، والعصيان. (وَيَقُولُونَ طاعَةٌ.) أي : ويقول المنافقون إذا أمرتهم بشىء : أمرنا وشأننا طاعة. (فَإِذا بَرَزُوا.) أي : خرجوا. (مِنْ عِنْدِكَ بَيَّتَ طائِفَةٌ مِنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ.) بيت : بمعنى : زور وسوى من البيتوتة ، لأنه قضاء الأمر وتدبيره بالليل. والمعنى : زور طائفة منهم في أنفسهم خلاف ما قلت وما أمرت به ، أو خلاف ما قالت ، وما ضمنت من الطاعة ، لأنهم أبطنوا الرد لا القبول ، والعصيان لا الطاعة ، وإنما ينافقون بما يقولون ويظهرون. (وَاللهُ يَكْتُبُ ما يُبَيِّتُونَ.) أي : والله يثبت ما بيتوه في صحائف أعمالهم ويجازيهم عليه (فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ.) أي : فتول عنهم (وَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ) في شأنهم ، فإن الله يكفيك مضرتهم ، وينتقم لك منهم ، ويتولى أمرهم (وَكَفى بِاللهِ وَكِيلاً) كافيا لمن توكل عليه. أمره في مقابل عملهم أن يجمع بين التوكل عليه ، والإعراض عنهم ، ثم بين علة مرضهم ، وهو عدم التدبر لكتاب الله. وهذا يعني أنه بقدر ما تربى الأمة على التدبر لكتاب الله ، ينمو الانضباط الصحيح ، والطاعة المبصرة. (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ.) أي : أفلا يتأملون معانيه ومبانيه. والتدبر : التأمل والنظر في أدبار الأمر