بينكم بما لم تبحه الشريعة من نحو السرقة ، والخيانة ، والغصب ، والقمار ، وعقود الربا. (إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ.) أي : إلا أن تكون التجارة تجارة صادرة عن تراض منكم ، ومظهر التراضي : العقد. وهل التعاطي يدل على التراضي؟ قولان للفقهاء. أجازه الحنفية ، ومنعه الشافعية ، وفرق بعضهم في جوازه بين الخسيس والنفيس ، وخصت التجارة بالذكر ، لأن أسباب الرزق أكثرها متعلق بها ، قال النسفي ـ من الحنفية ـ : والآية تدل على جواز البيع بالتعاطي ، وعلى جواز البيع الموقوف إذا وجدت الإجازة لوجود الرضا ، وعلى نفي خيار المجلس ؛ لأن فيها إباحة الأكل بالتجارة عن تراض من غير تقييد بالتفرق عن مكان العقد. (وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ.) ذكر النسفي في تفسير هذا النهي خمسة معان كلها محرم. الأول : ولا تقتلوا من كان من جنسكم من المؤمنين ؛ لأن المؤمنين كنفس واحدة ، الثاني ، أي : لا يقتلن أحدكم نفسه. أي : لا ينتحر. الثالث ، أي : لا تقتلوا أنفسكم بظلم بعضكم بعضا في موضوع الأموال فظالم غيره كمهلك نفسه. الرابع : لا تتبعوا أهواءها فتقتلوها. الخامس ، أي : لا ترتكبوا ما يوجب القتل (إِنَّ اللهَ كانَ بِكُمْ رَحِيماً) ولرحمته نبهكم على ما فيه صيانة أموالكم ، وبقاء أبدانكم ، ومن مظاهر رحمته بكم أيتها الأمة المسلمة : أن الله أمر بني إسرائيل بقتلهم أنفسهم ؛ ليكون ذلك توبة لهم ، وتمحيصا لخطاياهم ، وكان بكم يا أمة محمد صلىاللهعليهوسلم رحيما حيث لم يكلفكم تلك التكاليف الصعبة. بل نهاكم عنها. (وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ.) أي : القتل. (عُدْواناً وَظُلْماً.) أي : لا خطأ ، ولا قصاصا. فصار المعنى : ومن يقدم على قتل الأنفس المؤمنة ، لا خطأ ، ولا قصاصا. (فَسَوْفَ نُصْلِيهِ ناراً.) أي : فسوف ندخله نارا مخصوصة ، شديدة العذاب. (وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيراً.) أي : وكان إصلاؤه النار على الله سهلا. قال النسفي : وهذا الوعيد في حق المستحل للتخليد ، وفي حق غيره لبيان استحقاقه دخول النار مع وعد الله بمغفرته. (إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ.) أي : إذا اجتنبتم كبائر الآثام التي نهيتم عنها كفرنا عنكم صغائر الذنوب. (وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً كَرِيماً.) أي : مدخلا حسنا. أي الجنة. قال النسفي : «وتشبث المعتزلة بالآية على أن الصغائر واجبة المغفرة باجتناب الكبائر ، وعلى أن الكبائر غير مغفورة ، باطل ؛ لأن الكبائر والصغائر في مشيئته تعالى سواء ، إن شاء عذب عليهما ، وإن شاء عفا عنهما لقوله تعالى : (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ) فقد وعد المغفرة لما دون الشرك وقرنها بمشيئته تعالى