البلوغ يكون : إما بالسن ، أو الاحتلام. قال ابن كثير : «واختلفوا في نبات الشعر الخشن حول الفرج ، وهي الشعرة ، هل يدل على بلوغ أو لا؟ على ثلاثة أقوال ، يفرق في الثالث بين صبيان المسلمين وبين صبيان أهل الذمة ، فلا يكون بلوغا على القول الثالث في حق أبناء المسلمين ، ويكون بلوغا في حق أهل الذمة. قال ابن كثير : والصحيح أنها بلوغ في الجميع لأن هذا أمر جبلي يستوي فيه الناس واحتمال المعالجة فيه بعيد». وقد روى الإمام أحمد عن عطية القرظي قال : عرضنا على النبي صلىاللهعليهوسلم يوم قريظة ، فأمر من ينظر من أنبت فكان من أنبت قتل ، ومن لم ينبت خلي سبيله ، فكنت فيمن لم ينبت فخلى سبيلي ..» وأخرجه أهل السنن الأربعة.
٣ ـ روى الإمام أحمد : أن رجلا سأل رسول الله صلىاللهعليهوسلم : فقال : «ليس لي مال ولي يتيم ، فقال : كل من مال يتيمك غير مسرف ولا مبذر ، ولا متأثل مالا ، ومن غير أن تقي مالك ، أو قال : أو تفدي مالك بماله». شك أحد الرواة ، وروى ابن ماجه وأبو داود في سننه أن رجلا قال : يا رسول الله : فيم أضرب يتيمي؟ قال : «مما كنت ضاربا منه ولدك غير واق مالك بماله ، ولا متأثل منه مالا».
قال فقهاء الشافعية : ولي اليتيم الفقير له أن يأكل من أقل الأمرين : أجرة مثله ، أو قدر حاجته. واختلفوا هل يرد إذا أيسر؟ على قولين : أحدهما ، لا. لأنه أكل بأجرة عمله ، وكان فقيرا ، وهذا هو الصحيح عند أصحاب الشافعي ، لأن الآية والأحاديث أباحت الأكل من غير بدل ، كأكل مال الغير للمضطر عند الحاجة. قال عمر بسند صحيح عنه : إنما أنزلت نفسي من مال الله بمنزلة ولي اليتيم ، إن احتجت أخذت منه ، فإذا أيسرت رددته ، وإن استغنيت استعففت» والأقوى الاتجاه الأول : أي لا يرد ومذهب عمر زيادة في الاحتياط. وما مقدار ما يأكل منه؟ قال النسفي عن إبراهيم : ما سد جوعه ، ووارى العورة.
٤ ـ إن قياس عمر أمر نفسه على وصي اليتيم في مال الأمة أصل عظيم من أصول الاجتهاد السياسي في الإسلام. فالدولة المسلمة ، والإمام المسلم تصرفاته مقيدة بما يقيد به وصي اليتيم ؛ فما كان فيه مصلحة اليتيم نفذ ، وما لم تكن له فيه مصلحة لم ينفذ. وعلى هذا فكل التصرفات والعقود والمعاهدات الدولية التي تجريها الحكومات تلزم الأمة بمقدار ما فيها من مصلحة للأمة ، وكل تصرف أو عهد ، أو عقد أجرته ، أو تجريه حكومة ليس فيه مصلحة ، فإنه لاغ حكما.