علمه جل جلاله؟!! وكما دل على إحاطة علمه في الآية الخامسة بتصويرنا في الأرحام دلل في الآية السادسة على إحاطة علمه بإنزاله هذا القرآن على ما هو عليه ؛ إذ أخبر في الآية السابعة أنه أنزل هذا القرآن وجعل آياته نوعين. النوع الأول : الآيات المحكمات ، أي : البينات الواضحات الدلالة التي لا تلتبس على أحد. والنوع الآخر : الآيات التي فيها اشتباه في الدلالة على كثير من الناس ـ أو بعضهم ـ وذلك امتحان لعباده من أجل أن يردوا ما اشتبه إلى الواضح منه ، ويحكموا محكمه في متشابهه. وذلك لأنه أودع في هذا الكتاب من الكمالات ، والعلوم ما لا يحيط به إلا هو ، فكانت عباراته على ما ذكر. وإذن ففي الآية تدليل على إحاطة علمه.
وكما قلنا : فإن إحاطة العلم هي مقتضى الألوهية والقيومية فلنر كيف كان موقف الناس من كتابه؟ :
أما المنحرفون ، الضالون ، الزائغون ، فهؤلاء يتركون المحكم ، ويتبعون المتشابه ، تعمدا منهم ، لأنهم يستطيعون أن يحرفوا المتشابه إلى مقاصدهم الفاسدة ، وينزلوه عليها لاحتمال لفظه لما يصرفونه إليه ، فأما المحكم فلا نصيب لهم فيه ، لأنه دافع لهم ، وحجة عليهم ، وإنما يفعلون ذلك من أجل تضليل الناس ، ومن أجل حمل القرآن على أهوائهم ، فيفسرونه بالهوى لا بالعلم. وأما المهتدون فهم الراسخون في العلم ، الذين يردون المتشابه إلى المحكم ، ويقرون بأن المحكم والمتشابه من عند الله ، والجميع حق وصدق ، وكل واحد منهما يصدق الآخر ويشهد له ؛ لأن الجميع من عند الله ، وليس وحي الله بمختلف ولا بمتناقض ، ثم ذيل الله ـ عزوجل ـ الآية بتبيان أن أصحاب العقول السليمة والفهوم المستقيمة هم الذين يفهمون ، ويعقلون المعاني على وجهها ، ويتدبرون ويقفون عند الحدود ، فهؤلاء هم الذين أعطوا الألوهية حقها ، وهؤلاء كما أقروا للقرآن ـ بما فيه من حق ـ فإنهم كذلك يقولون داعين الله ـ عزوجل ـ بدعوتين ذكرتهما الآيتان الثامنة والتاسعة في الدعوة الأولى يطلبون من الله أن لا يميل قلوبهم عن الهدى بعد إذ أقامها عليه ، فيكونوا كالذين في قلوبهم زيغ يتبعون بسببه المتشابه ، كما يطلبون من الله أن يهبهم رحمة تسعهم في دنياهم وأخراهم ، مثنين على الله بإسمه الوهاب. وإذ طلبوا من الله ـ عزوجل ـ رحمة في أحوج ما يكون الخلق إلى رحمة الله يوم القيامة ، فإنهم في دعوتهم الثانية لم يقولوا سوى : يا ربنا ستجمع بين خلقك يوم معادهم ، وتفصل بينهم ، وتحكم فيهم فيما اختلفوا فيه ، وتجزي كلا بعمله ، وما كان