صرف إلى العبادة كانت على النفس أشد وأشق ، وللبدن أتعب وأنصب ، فكانت أدخل في معنى التكليف وأفضل عند الله. وقد تناول التسبيح في آناء الليل صلاة العتمة ، وفي أطراف النهار صلاة المغرب وصلاة الفجر على التكرار ، إرادة الاختصاص ، كما اختصت في قوله (حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطى) عند بعض المفسرين. فإن قلت : ما وجه قوله (وَأَطْرافَ النَّهارِ) على الجمع ، وإنما هما طرفان كما قال (أَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ)؟ قلت : الوجه أمن الإلباس ، وفي التثنية زيادة بيان. ونظير مجيء الأمرين في الآيتين : مجيئهما في قوله :
ظهراهما مثل ظهور الترسين (١)
وقرئ : وأطراف النهار ، عطفا على آناء الليل ، ولعل للمخاطب ، أى : اذكر الله في هذه الأوقات ، طمعا ورجاء أن تنال عند الله ما به ترضى نفسك ويسر قلبك. وقرئ : ترضى ، أى يرضيك ربك.
(وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقى)(١٣١)
(وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ) أى نظر عينيك ، ومدّ النظر : تطويله ، وأن لا يكاد يرده ، استحسانا للمنظور إليه وإعجابا به ، وتمنيا أن يكون له ، كما فعل نظارة قارون حين قالوا (يا لَيْتَ لَنا مِثْلَ ما أُوتِيَ قارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ) حتى واجههم أو لو العلم والإيمان ب (وَيْلَكُمْ ثَوابُ اللهِ خَيْرٌ لِمَنْ
__________________
(١) ومهمهين قذفين مرتين |
|
ظهراهما مثل ظهور الترسين |
جبتهما بالنعت لا بالنعتين |
لخطام المجاشعي. وقيل : لهميان بن قحافة. والمهمه : المفازة. والقذف ـ بالتحريك ـ : الذي يقذف سالكه فلا يمكث فيه أحد. وقيل : البعيد. والمرت ـ بالسكون ـ : القفر لا ماء فيه ولا نبات. والترس : حيوان ناتئ الظهر. وثنى ظهراهما على الأصل ، وجمع فيما بعد لأمن اللبس ، ولأنه ربما كره اجتماع تثنيتين ، لا سيما عند تتابع التثنية كما هنا. وقال النحاة : كل مثنى في المعنى مضاف إلى متضمنه ، يختار في لفظه الجمع لتعدد معناه وكراهة اجتماع تثنيتين في اللفظ. ويجوز مجيئه على الأصل كما هنا. ويجوز إفراده كقوله :
حمامة بطن الواديين ترنمي
والجواب : القطع. والنعت : الوصف ، ويروى : «بالسمت لا بالسمتين» والسمت : الهيئة والقصد والجهة والطريق والمراد أنهما وصفا ، أو ذكرت هيأتهما له مرة واحدة. يقول : رب موضعين قفرين لا أنيس فيهما ، لهما ظهران مرتفعان ، كظهرى الترسين ، قطعتهما بالسير بنعت واحد ، لا بوصفهما لي مرتين أو ثلاثة كغيرى. ويجوز أن المعنى بذكر نعت واحد من نعوتها ، لا بذكر نعتين ، فالنعت بمعنى الصفة القائمة بالشيء. وفي الكلام دلالة على شجاعته وحذقه.