لَنْ تُخْلَفَهُ وَانْظُرْ إِلى إِلهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عاكِفاً لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفاً)(٩٧)
عوقب في الدنيا بعقوبة لا شيء أطم منها وأوحش ، وذلك أنه منع من مخالطة الناس منعا كليا ، وحرم عليهم ملاقاته ومكالمته ومبايعته ومواجهته وكل ما يعايش به الناس بعضهم بعضا ، وإذا اتفق أن يماس أحدا رجلا أو امرأة ، حم الماس والممسوس ، فتحامى الناس وتحاموه ، وكان يصيح : لا مساس ، وعاد في الناس أوحش من القاتل اللاجئ إلى الحرم ، ومن الوحشي النافر في البرية. ويقال : إن قومه باق فيهم ذلك إلى اليوم. وقرئ (لا مِساسَ) بوزن فجار. ونحوه قولهم في الظباء. إذا وردت الماء فلا عباب ، وإن فقدته فلا أباب : وهي أعلام للمسة والعبة والأبة ، وهي المرة من الأب وهو الطلب (لَنْ تُخْلَفَهُ) أى لن يخلفك الله موعده الذي وعدك على الشرك والفساد في الأرض ، ينجزه لك في الآخرة بعد ما عاقبك بذلك في الدنيا ، فأنت ممن خسر الدنيا والآخرة ، ذلك هو الخسران المبين. وقرئ لن تخلفه. وهذا من أخلفت الموعد إذا وجدته خلفا. قال الأعشى :
أثوى وأقصر ليله ليزوّدا |
|
فمضى وأخلف من قتيلة موعدا (١) |
وعن ابن مسعود : نخلفه ، بالنون ، أى : لن يخلفه الله ، كأنه حكى قوله عز وجل كما مر في (لِأَهَبَ لَكِ). (ظَلْتَ) وظلت ، وظلت والأصل ظلت ، فحذفوا اللام الأولى ونقلوا حركتها إلى الظاء ، ومنهم من لم ينقل (لَنُحَرِّقَنَّهُ) ولنحرقنه ولنحرقنه. وفي حرف ابن مسعود : لنذبحنه ، ولنحرقنه ، ولنحرقنه : القراءتان من الإحراق. وذكر أبو على الفارسي في لنحرقنه انه يجوز أن يكون حرّق مبالغة في حرق إذا برد بالمبرد. وعليه القراءة الثالثة ، وهي قراءة على بن أبى طالب رضى الله عنه (لَنَنْسِفَنَّهُ) بكسر السين وضمها ، وهذه عقوبة ثالثة وهي إبطال ما افتتن
__________________
(١) أثوى وأقصر ليله ليزودا |
|
فمضت وأخلف من قتيلة موعدا |
ومضى لحاجته وأصبح حبله |
|
خلقا وكان بحالة لن ينكدا |
للأعشى. وأقصر عن الشيء : أقلع عنه وامتنع منه. وأقصره : وجده قصيرا. وروى «قصر» بالتشديد. وروى «ليله» بالاضافة إلى الضمير ، لكن الذي في ديوان الأعشى «ليلة» بالتاء. وثوى بالمكان : أقام به ، وأثوى به : لغة فيه ، ويستعمل متعديا أيضا. يقول : إنه قطع السفر ، وأقام بربع قتيلة ، ووجد ليله قصيرا لتزوره بالوصال ، أو امتنع من السفر لذلك ، فمضى الليل على الأول ، أو مضت الليلة على الثاني. وجزالة المعنى تشهد له. وأخلف الموعد من قتيلة ، أى : وجده خلفا ، فسافر كما كان إلى حاجته ، واستعار الحبل للوداد أو للطمع فيه على طريق التصريحية والخلق ترشيح ، أى : يئس من مودته ، وكان الحبل أو العاشق بحالة حسنة ، هي أنه لن ينكدا ، أى لن يتنغص ، ولن يتكدر ، ولن يتعسر شأنه ، وزوال النعمة بعد نوالها يشق على النفس ، وخلق ـ بالضم ـ فهو خلق ، كحسن ، وهو في الأصل مصدر. وينكد كيتعب.