رضى الله عنه : دخل النبي صلى الله عليه وسلم مكة وحول الكعبة ثلاثمائة وستون صنما ، فجعل يطعنها بعود نبعة (١) ويقول (جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً) ، (جاءَ الْحَقُّ وَما يُبْدِئُ الْباطِلُ وَما يُعِيدُ) (٢). والحق : القرآن. وقيل : الإسلام. وقيل : السيف. وقيل الباطل : إبليس لعنه الله ، أى : ما ينشئ خلقا ولا يعيده ، المنشئ والباعث : هو الله تعالى. وعن الحسن : لا يبدئ لأهله خيرا ولا يعيده ، أى : لا ينفعهم في الدنيا والآخرة. وقال الزجاج : أىّ شيء ينشئ إبليس ويعيده ، فجعله للاستفهام. وقيل للشيطان : الباطل ، لأنه صاحب الباطل ، أو لأنه هالك كما قيل له : الشيطان ، من شاط إذا هلك.
(قُلْ إِنْ ضَلَلْتُ فَإِنَّما أَضِلُّ عَلى نَفْسِي وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِما يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ)(٥٠)
قرئ ، ضللت أضلّ ، بفتح العين مع كسرها. وضللت أضلّ ، بكسرها مع فتحها ، وهما لغتان ، نحو : ظللت أظلّ ، وظللت أظلّ. وقرئ اضلّ : بكسر الهمزة مع فتح العين. فإن قلت : أين التقابل بين قوله (فَإِنَّما أَضِلُّ عَلى نَفْسِي) وقوله (فَبِما يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي) ، وإنما كان يستقيم أن يقال : فإنما أضل على نفسي ، وإن اهتديت فإنما أهتدى لها ، كقوله تعالى (مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَساءَ فَعَلَيْها) فمن اهتدى فلنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها. أو يقال : فإنما أضل بنفسي. قلت : هما متقابلان من جهة المعنى ، لأنّ النفس كل ما عليها فهو بها ، أعنى : أن كل ما هو وبال عليها وضار لها فهو بها وبسببها : لأن الأمّارة بالسوء ، وما لها مما ينفعها فبهداية ربها وتوفيقه ، وهذا حكم عامّ لكل مكلف ، وإنما أمر رسوله صلى الله عليه وسلم أن يسنده إلى نفسه ، لأن الرسول إذا دخل تحته مع جلالة حمله وسداد طريقته كان غيره أولى به (إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ) يدرك قول كل ضالّ ومهتد ، وفعله لا يخفى عليه منهما شيء.
(وَلَوْ تَرى إِذْ فَزِعُوا فَلا فَوْتَ وَأُخِذُوا مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ)(٥١)
(وَلَوْ تَرى) جوابه محذوف ، يعنى : لرأيت أمرا عظيما وحالا هائلة. و «لو» و «إذ» والأفعال التي هي «فزعوا» و «أخذوا» وحيل بينهم : كلها للمضى. والمراد بها الاستقبال ، لأن ما الله فاعله في المستقبل بمنزلة ما قد كان ووجد لتحققه ، ووقت الفزع : وقت البعث وقيام الساعة. وقيل : وقت الموت. وقيل : يوم بدر. وعن ابن عباس رضى الله عنهما : نزلت
__________________
(١) قوله «فجعل يطعنه بعود نبعة» لعله «معه» كعبارة النسفي. (ع)
(٢) متفق عليه وقد تقدم في الاسراء.