ما يشق عليه أو ما يضيق به ذرعه ويغتم لأجله وقيل : الزنا ، والله عاصم رسوله من ذلك ، كما مرّ في حديث الإفك ، وإنما ضوعف عذابهنّ لأن ما قبح من سائر النساء كان أقبح منهنّ وأقبح ، لأن زيادة قبح المعصية تتبع زيادة الفضل والمرتبة وزيادة النعمة على العاصي من المعصى ، وليس لأحد من النساء مثل فضل نساء النبي صلى الله عليه وسلم ولا على أحد منهنّ مثل ما لله عليهن من النعمة ، والجزاء يتبع الفعل ، وكون الجزاء عقابا يتبع كون الفعل قبيحا ، فمتى ازداد قبحا. ازداد عقابه شدّة ، ولذلك كان ذم العقلاء للعاصي العالم : أشدّ منه للعاصي الجاهل ، لأن المعصية من العالم أقبح ، ولذلك فضل حدّ الأحرار على حد العبيد ، حتى أن أبا حنيفة وأصحابه لا يرون الرجم على الكافر (وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيراً) إيذان بأن كونهن نساء النبي صلى الله عليه وسلم ليس بمغن عنهن شيئا ، وكيف يغنى عنهن وهو سبب مضاعفة العذاب ، فكان داعيا إلى تشديد الأمر عليهنّ غير صارف عنه. قرئ : يأت ، بالتاء والياء. مبينة : بفتح الياء وكسرها ، من بين بمعنى تبين. يضاعف ، ويضعف : على البناء للمفعول. ويضاعف ، ونضعف : بالياء والنون. وقرئ : تقنت ، وتعمل : بالتاء والياء. ونؤتها : بالياء والنون. والقنوت : الطاعة ، وإنما ضوعف أجرهنّ لطلبهنّ رضا رسول الله صلى الله عليه وسلم بحسن الخلق ، وطيب المعاشرة والقناعة ، وتوفرهنّ على عبادة الله والتقوى.
(يا نِساءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّساءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفاً)(٣٢)
أحد في الأصل بمعنى وحد ، وهو الواحد ، ثم وضع في النفي العام مستويا فيه المذكر والمؤنث والواحد وما وراءه. ومعنى قوله (لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّساءِ) لستن كجماعة واحدة من جماعات النساء ، أى : إذا تقصيت أمة النساء جماعة جماعة لم توجد منهن جماعة واحدة تساويكن في الفضل والسابقة ، ومثله قوله تعالى (وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ) (١) يريد بين
__________________
(١) قال محمود : «معناه لستن كجماعة واحدة من جماعات النساء ، أى : إذا تقصيت أمة النساء جماعة جماعة لم يوجد منهن جماعة واحدة تساويكن في الفضل والسابقة ، ومثله : ولم يفرقوا بين أحد منهم» قال أحمد : إنما بعثه على جعل التفضيل بين نساء النبي عليه الصلاة والسلام وبين جماعات النساء لا آحادهن : أن يطابق بين المتفاضلين ، لأن الأول جماعة ، وقد كان مستغنيا عن ذلك بحمل الكلام على واحدة ، ويكون المعنى أبلغ ، والتقدير : ليست واحدة منكن كأحد من النساء ، أى : كواحدة من النساء ، ويلزم من تفضيل كل واحدة منهن على كل واحدة من آحاد النساء تفضيل جماعتهن على كل جماعة ، ولا يلزم ذلك في العكس ، فتأمله والله أعلم وجاء التفضيل هاهنا كمجيئه في قوله تعالى (أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ) وقوله (وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثى) في تقديم الأفضل عند التفضيل ، وقد مضت في ذلك نكتة حسنة ، والله الموفق.