الصبر على الجهاد والثبات في مرحى الحرب (١). حتى كسرت رباعيته يوم أحد وشجّ وجهه.
(لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيراً)(٢١)
فإن قلت : فما حقيقة قوله (لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) وقرئ : أسوة ، (٢) بالضم؟ قلت : فيه وجهان ، أحدهما : أنه في نفسه أسوة حسنة ، أى : قدوة ، وهو الموتسى ، أى : المقتدى به ، كما تقول : في البيضة عشرون منا حديد ، أى : هي في نفسها هذا المبلغ من الحديد. والثاني : أن فيه خصلة من حقها أن يؤتسى بها وتتبع. وهي المواساة بنفسه (لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللهَ) بدل من لكم ، كقوله (لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ) يرجو الله واليوم الآخر : من قولك رجوت زيدا وفضله ، أى : فضل زيد. أو يرجو أيام الله. واليوم الآخر خصوصا. والرجاء بمعنى الأمل أو الخوف (وَذَكَرَ اللهَ كَثِيراً) وقرن الرجاء بالطاعات الكثيرة والتوفر على الأعمال الصالحة ، والمؤتسى برسول الله صلى الله عليه وسلم : من كان كذلك.
(وَلَمَّا رَأَ الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزابَ قالُوا هذا ما وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللهُ وَرَسُولُهُ وَما زادَهُمْ إِلاَّ إِيماناً وَتَسْلِيماً)(٢٢)
وعدهم الله أن يزلزلوا حتى يستغيثوه ويستنصروه في قوله (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ) فلما جاء الأحزاب وشخص بهم واضطربوا ورعبوا الرعب الشديد (قالُوا هذا ما وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ) وأيقنوا بالجنة والنصر. وعن ابن عباس رضى الله عنهما قال قال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه : إنّ الأحزاب سائرون إليكم تسعا أو عشرا ، أى : في آخر تسع ليال أو عشر ، فلما رأوهم قد أقبلوا للميعاد قالوا ذلك (٣). وهذا إشارة إلى الخطب أو البلاء (إِيماناً) بالله وبمواعيده (وَتَسْلِيماً) لقضاياه وأقداره ،
(مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَما بَدَّلُوا تَبْدِيلاً (٢٣) لِيَجْزِيَ اللهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ
__________________
(١) قوله «في مرحى الحرب» أى مكان إدارة رحاها. أفاده الصحاح. (ع)
(٢) قوله «وقرئ أسوة بالضم» يفيد أن قراءة الكسر هي المشهورة. (ع)
(٣) لم أجده