في رجلىّ ، فأكذب الله قوله وقولهم ، وضربه مثلا في الظهار والتبني. وعن ابن عباس رضى الله عنهما : كان المنافقون يقولون : لمحمد قلبان فأكذبهم الله. وقيل : سها في صلاته ، فقالت اليهود : له قلبان : قلب مع أصحابه ، وقلب معكم. وعن الحسن : نزلت في أن الواحد يقول : نفس تأمرنى ونفس تنهاني. والتنكير في رجل ، وإدخال من الاستغراقية على قلبين تأكيدان لما قصد من المعنى ، كأنه قال : ما جعل الله لأمة الرجال ولا لواحد منهم قلبين البتة في جوفه. فإن قلت : أى فائدة في ذكر الجوف؟ قلت : الفائدة فيه كالفائدة في قوله (الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ) وذلك ما يحصل للسامع من زيادة التصوّر التجلي المدلول عليه ، لأنه إذا سمع به صور لنفسه جوفا يشتمل على قلبين ، فكان أسرع إلى الإنكار. وقرئ : اللايئ (١) ، بياء وهمزة مكسورتين. واللائي. بيا. ساكنة بعد الهمزة : وتظاهرون : من ظاهر. وتظاهرون. من اظاهر ، بمعنى تظاهر. وتظهرون : من أظهر ، بمعنى تظهر. وتظهرون : من ظهر ، بمعنى ظاهر كعقد بمعنى عاقد. وتظهرون : من ظهر ، بلفظ فعل من الظهور. ومعنى ظاهر من امرأته : قال لها : أنت علىّ كظهر أمى. ونحوه في العبارة عن اللفظ : لبى المحرم ، إذا قال لبيك. وأفف الرجل : إذا قال : أف وأخوات لهنّ. فإن قلت : فما وجه تعديته وأخواته بمن؟ قلت : كان الظهار طلاقا عند أهل الجاهلية. فكانوا يتجنبون المرأة المظاهر منها كما يتجنبون المطلقة ، فكان قولهم : تظاهر منها تباعد منها بجهة الظهار ، وتظهر منها : تحرز منها. وظاهر منها : حاذر منها ، وظهر منها : وحش منها (٢). وظهر منها : خلص منها. ونظيره : آلى من امرأته ، لما ضمن معنى التباعد منها عدّى بمن ، وإلا فآلى في أصله الذي هو بمعنى : حلف وأقسم ، ليس هذا بحكمه. فإن قلت : ما معنى قولهم : أنت علىّ كظهر أمى؟ قلت : أرادوا أن يقولوا : أنت علىّ حرام كبطن أمى ، فكنوا عن البطن بالظهر ، لئلا يذكروا البطن الذي ذكره يقارب ذكر الفرج ، وإنما جعلوا الكناية عن البطن بالظهر لأنه عمود البطن. ومنه حديث عمر رضى الله عنه : يجيء به أحدهم على عمود بطنه : أراد على ظهره. ووجه آخر : وهو أن إتيان المرأة وظهرها إلى السماء كان محرّما عندهم محظورا ، وكان أهل المدينة يقولون : إذا أتيت المرأة ووجهها إلى الأرض جاء الولد أحول ، فلقصد المطلق منهم إلى التغليظ في تحريم امرأته عليه ، شبهها بالظهر ثم لم يقنع
__________________
(١) قوله «وقرئ اللايئ بياء وهمزة مكسورتين» لعل مراد ، قراءتان إحداهما بياء مكسورة والأخرى بهمزة مكسورة ، لكن الياء ليست ياء صرفة ، بل هي همزة مسهلة ينطق بها بين الهمزة والياء والحاصل : أنه قرئ اللائي بياء ساكنة بعد الهمزة. وقرئ اللاء بهمزة مكسورة من غير ياء. وقرئ : اللايى بشبه الياء مكسورة وهي الهمزة التي ينطق بها بين بين. وقرئ : اللاى بياء ساكنة بعد الألف من غير همز ، فهذه أربع قراآت في لفظ اللائي أينما كان في القرآن ، كما في شرح الشاطبية. (ع)
(٢) قوله «وحش منها» أى خلا منها أفاده الصحاح. (ع)