مَنْ يَفْعَلُ مِنْ ذلِكُمْ مِنْ شَيْءٍ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ)(٤٠)
(اللهُ) مبتدأ وخبره (الَّذِي خَلَقَكُمْ) أى الله هو فاعل هذه الأفعال الخاصة التي لا يقدر على شيء منها أحد غيره ، ثم قال (هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ) الذين اتخذتموهم أندادا له من الأصنام وغيرها (مَنْ يَفْعَلُ) شيئا قط من تلك الأفعال ، حتى يصح ما ذهبتم إليه ، ثم استبعد حاله من حال شركائهم. ويجوز أن يكون (الَّذِي خَلَقَكُمْ) صفة للمبتدإ ، والخبر : هل من شركائكم ، وقوله (مِنْ ذلِكُمْ) هو الذي ربط الجملة بالمبتدإ ، لأن معناه : من أفعاله. ومن الأولى والثانية والثالثة : كل واحدة منهنّ مستقلة بتأكيد ، لتعجيز شركائهم ، وتجهيل عبدتهم.
(ظَهَرَ الْفَسادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِما كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ)(٤١)
(الْفَسادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ) نحو : الجدب ، والقحط ، وقلة الريع في الزراعات والريح في التجارات ، ووقوع الموتان في الناس والدواب ، وكثرة الحرق والغرق ، وإخفاق الصيادين (١) والغاصة ، ومحق البركات من كل شيء ، وقلة المنافع في الجملة وكثرة المضارّ. وعن ابن عباس : أجدبت الأرض وانقطعت مادّة البحر. وقالوا : إذا انقطع القطر عميت دواب البحر. وعن الحسن أنّ المراد بالبحر : مدن البحر وقراه التي على شاطئه. وعن عكرمة : العرب تسمى الأمصار البحار. وقرئ في البر والبحور (بِما كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ) بسبب معاصيهم وذنوبهم ، كقوله تعالى (وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ) وعن ابن عباس (ظَهَرَ الْفَسادُ فِي الْبَرِّ) بقتل ابن آدم أخاه. وفي البحر بأن جلندى كان يأخذ كل سفينة غصبا : وعن قتادة : كان ذلك قبل البعث ، فلما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم رجع راجعون عن الضلال والظلم. ويجوز أن يريد ظهور الشر والمعاصي بكسب الناس ذلك. فإن قلت : ما معنى قوله (لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ)؟ قلت أمّا على التفسير الأول فظاهر ، وهو أنّ الله قد أفسد أسباب دنياهم ومحقها ، ليذيقهم وبال بعض أعمالهم في الدنيا قبل أن يعاقبهم بجميعها في الآخرة ، لعلهم يرجعون عما هم عليه. وأمّا على الثاني فاللام مجاز ، على معنى أنّ ظهور الشرور بسببهم مما استوجبوا به أن يذيقهم الله وبال أعمالهم إرادة الرجوع ، فكأنهم إنما أفسدوا وتسببوا لفشوّ المعاصي في الأرض لأجل ذلك. وقرئ : لنذيقهم ، بالنون.
__________________
(١) قوله «وإخفاق الصيادين» في الصحاح : أخفق الصائد ، إذا رجع ولم يصطد. (ع)