إليك الكتاب (فَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ) هم عبد الله بن سلام ومن آمن معه (وَمِنْ هؤُلاءِ) من أهل مكة وقيل : أراد بالذين أوتوا الكتاب الذين تقدموا عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم من أهل الكتاب ، ومن هؤلاء ممن في عهده منهم (وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا) مع ظهورها وزوال الشبهة عنها ، إلا المتوغلون في الكفر المصممون عليه. وقيل : هم كعب بن الأشرف وأصحابه.
(وَما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لارْتابَ الْمُبْطِلُونَ (٤٨) بَلْ هُوَ آياتٌ بَيِّناتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلاَّ الظَّالِمُونَ)(٤٩)
وأنت أمىّ ما عرفك أحد قط بتلاوة كتاب ولا خط (إِذاً) لو كان شيء من ذلك ، أى ، من التلاوة والخط (لَارْتابَ الْمُبْطِلُونَ) من أهل الكتاب وقالوا : الذي نجده في كتبنا أمى لا يكتب ولا يقرأ وليس به. أو لارتاب مشركو مكة وقالوا : لعله تعلمه أو كتبه بيده. فإن قلت : لم سماهم مبطلين ، ولو لم يكن أمّيا وقالوا : ليس بالذي نجده في كتبنا لكانوا صادقين محقين؟ ولكان أهل مكة أيضا على حق في قولهم لعله تعلمه أو كتبه فإنه رجل قارئ كاتب؟ قلت : سماهم مبطلين لأنهم كفروا به وهو أمىّ بعيد من الريب ، فكأنه قال : هؤلاء المبطلون في كفرهم به لو لم يكن أمّيا لارتابوا أشدّ الريب ، فحين ليس (١) بقارئ كاتب فلا وجه لارتيابهم. وشيء آخر : وهو أن سائر الأنبياء عليهم السلام لم يكونوا أمّيين ، ووجب الإيمان بهم وبما جاءوا به ، لكونهم مصدقين من جهة الحكيم بالمعجزات ، فهب أنه قارئ كاتب فما لهم لم يؤمنوا به من الوجه الذي آمنوا منه بموسى وعيسى عليهما السلام؟ على أن المنزلين (٢) ليسا بمعجزين ، وهذا المنزل معجز ، فإذا هم مبطلون حيث لم يؤمنوا به وهو أمى ، ومبطلون لو لم يؤمنوا به وهو غير أمى. فان قلت : ما فائدة قوله بيمينك؟ قلت ذكر اليمين وهي الجارحة التي يزاول بها الخط : زيادة تصوير لما نفى عنه من كونه كاتبا. ألا ترى أنك إذا قلت في الإثبات ، رأيت الأمير يخط هذا الكتاب بيمينه ، كان أشد لإثباتك أنه تولى كتبته ، فكذلك النفي (بَلْ) القرآن (آياتٌ بَيِّناتٌ فِي صُدُورِ) العلماء به وحفاظه ، وهما من خصائص القرآن : كون آياته بينات الإعجاز ، وكونه محفوظا في الصدور يتلوه أكثر الأمة ظاهرا : بخلاف سائر الكتب ، فإنها لم تكن معجزات ،
__________________
(١) قوله «فحين ليس» لعله فحين كان ليس. (ع)
(٢) قوله «على أن المنزلين ليسا بمعجزين» لعله : المنزلين عليهما. (ع)