وليتميزن الصادق منهم من الكاذب. ويجوز أن يكون وعدا ووعيدا ، كأنه قال : وليثيبن الذين صدقوا وليعاقبنّ الكاذبين. وقرأ على رضى الله عنه والزهري : وليعلمنّ ، من الإعلام ، أى :وليعرفنهم الله الناس من هم. أو ليسمنهم بعلامة يعرفون بها من بياض الوجوه وسوادها ، وكحل العيون وزرقتها.
(أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ أَنْ يَسْبِقُونا ساءَ ما يَحْكُمُونَ)(٤)
(أَنْ يَسْبِقُونا) أن يفوتونا ، يعنى أنّ الجزاء يلحقهم لا محالة ، وهم لم يطمعوا في الفوت ، ولم يحدّثوا به نفوسهم ، ولكنهم لغفلتهم وقلة فكرهم في العاقبة وإصرارهم على المعاصي : في صورة من يقدر ذلك ويطمع فيه. ونظيره (وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ) ، (وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا إِنَّهُمْ لا يُعْجِزُونَ). فإن قلت : أين مفعولا «حسب»؟ قلت : اشتمال صلة أن على مسند ومسند إليه سدّ مسدّ المفعولين ، كقوله تعالى (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ) ويجوز أن يضمن حسب معنى قدر وأم منقطعة. ومعنى الإضراب فيها : أن هذا الحسبان أبطل من الحسبان الأوّل ، لأن ذاك يقدر أنه لا يمتحن لإيمانه ، وهذا يظن أنه لا يجازى بمساويه (ساءَ ما يَحْكُمُونَ) بئس الذي يحكمونه حكمهم هذا. أو بئس حكما يحكمونه حكمهم هذا ، فحذف المخصوص بالذم.
(مَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ اللهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللهِ لَآتٍ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ)(٥)
لقاء الله : مثل للوصول إلى العاقبة ، من تلقى ملك الموت ، والبعث ، والحساب ، والجزاء : مثلت تلك الحال بحال عبد قدم على سيده بعد عهد طويل ، وقد اطلع مولاه على ما كان يأتى ويذر ، فإما أن يلقاه ببشر وترحيب لما رضى من أفعاله ، أو بضد ذلك لما سخطه منها ، فمعنى قوله (مَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ اللهِ) : من كان يأمل تلك الحال. وأن يلقى فيها الكرامة من الله والبشر (فَإِنَّ أَجَلَ اللهِ) وهو الموت (لَآتٍ) لا محالة ، فليبادر العمل الصالح الذي يصدق رجاءه ، ويحقق أمله ، ويكتسب به القربة عند الله والزلفى (وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) الذي لا يخفى عليه شيء مما يقوله عباده ومما يفعلونه ، فهو حقيق بالتقوى والخشية. وقيل (يَرْجُوا) : يخاف من قول الهذلي في صفة عسال :
__________________
ـ وهو اعتقاد أن العلم بالكائن غير العلم بأن سيكون ، والحق أن علم الله تعالى واحد يتعلق بالموجود زمان وجوده وقبله وبعده على ما هو عليه ، وفائدة ذكر العلم هاهنا وإن كان سابقا على وجود المعلوم : التنبيه بالسبب على المسبب وهو الجزاء ، كأنه قال تعالى : لنعلمنهم فلنجازينهم بحسب علمه فيهم ، والله أعلم.