مَعِي)، وفضل الفصاحة إنما يحتاج إليه لذلك ، لا لقوله : صدقت ، فإنّ سحبان وباقلا (١) يستويان فيه ، أو يصل جناح كلامه بالبيان ، حتى يصدّقه الذي يخاف تكذيبه ، فأسند التصديق إلى هرون ، لأنه السبب فيه إسنادا مجازيا. ومعنى الإسناد المجازى : أن التصديق حقيقة في المصدّق ، فإسناده إليه حقيقة وليس في السبب تصديق ، ولكن استعير له الإسناد لأنه لا بس التصديق بالتسبب كما لا بسه الفاعل بالمباشرة. والدليل على هذا الوجه قوله : (إِنِّي أَخافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ) وقراءة من قرأ : ردءا يصدقوني. وفيها تقوية للقراءة بجزم يصدقني.
(قالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُما سُلْطاناً فَلا يَصِلُونَ إِلَيْكُما بِآياتِنا أَنْتُما وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغالِبُونَ)(٣٥)
العضد : قوام اليد ، وبشدّتها تشتد. قال طرفة :
أبنى لبينى لستمو بيد |
|
إلّا يدا ليست لها عضد (٢) |
ويقال في دعاء الخير : شدّ الله عضدك. وفي ضده ، فت الله في عضدك. ومعنى (سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ) سنقويك به ونعينك ، فإمّا أن يكون ذلك لأن اليد تشتد بشدة العضد. والجملة تقوى بشدة اليد على مزاولة الأمور. وإمّا لأنّ الرجل شبه باليد في اشتدادها باشتداد العضد ، فجعل كأنه يد مشتدة بعضد شديدة (سُلْطاناً) غلبة وتسلطا. أو حجة واضحة (بِآياتِنا) متعلق بنحو ما تعلق به في تسع آيات ، أى اذهبا بآياتنا. أو بنجعل لكما سلطانا ، أى : نسلطكما بآياتنا. أو بلا يصلون ، أى : تمتنعون منهم بآياتنا. أو هو بيان للغالبون لا صلة ، لامتناع تقدم الصلة على الموصول. ولو تأخر : لم يكن إلا صلة له. ويجوز أن يكون قسما جوابه : لا يصلون ، مقدما عليه. أو من لغو القسم.
__________________
(١) قوله «فان سحبان وباقلا يستويان فيه» مثل في الفصاحة. وباقل : مثل في الفهاهة والعي. (ع)
(٢) أبنى لبينى لستم بيد |
|
إلا يدا ليست لها عضد |
أبنى لبينى لا أحقكم |
|
وجد الاله بكم كما أجد |
لطرفة بن العبد. وقيل : لأوس بن حجر. والهمزة للنداء. ولبينى : اسم أمة كناية عن أنهم أرقاء. واليد استعارة تصريحية للأقوياء. أو تشبيه بليغ ، أى : لستم مثل يد من الأيدى في القوة ، إلا مثل يد لا عضد لها ، فهي صعبة. ويروى إلا يدا مخبولة العضد ، يقال : خبلت يده أشللتها ، ففي القافية الاقواء ، وفيه استتباع الذم بما يشبه المدح للمبالغة في الذم ، وكرر النداء لزيادة التعبير ، وحقه يحقه : خصمه يخصمه ، وأثبته ، وأوجبه أيضا ، أى : لا أثبتكم. أو لستم أهلا لمخاصمتى إياكم. ووجد عليه : غضب. ووجد به : حزن ، أى : غضب الله بسيبكم كما أغضب أنا. أو كرهكم كما يكره الحزين ما يحزنه. وهذا دعاء عليهم بالإهلاك.