وقال : أبن الحقّ؟ وأخبره جبريل عليه السلام بما فيه فقال لهم : إن فيه كذا وكذا ، ثم أمر الأرضة فأخذت شعرة ونفذت فيها ، فجعل رزقها في الشجرة. وأخذت دودة بيضاء الخيط بفيها ونفذت فيها ، فجعل رزقها في الفواكه. ودعا بالماء فكانت الجارية تأخذ الماء بيدها فتجعله في الأخرى ثم تضرب به وجهها ، والغلام كما يأخذه يضرب به وجهه ، ثم رد الهدية وقال للمنذر : أرجع إليهم ، فقالت : هو نبىّ وما لنا به طاقة ، فشخصت إليه في اثنى عشر ألف قيل ، تحت كل قيل ألوف. وفي قراءة ابن مسعود رضى الله عنه : فلما جاءوا. (أَتُمِدُّونَنِ) وقرئ بحذف الياء والاكتفاء بالكسرة وبالإدغام ، كقوله (أَتُحاجُّونِّي) وبنون واحدة : أتمدوني. الهدية : اسم المهدى ، كما أن العطية اسم المعطى ، فتضاف إلى المهدى والمهدى إليه ، تقول هذه هدية فلان ، تريد : هي التي أهداها أو أهديت إليه ، والمضاف إليه هاهنا هو المهدى إليه. والمعنى : أن ما عندي خير مما عندكم ، وذلك أن الله آتاني الدين الذي فيه الحظ الأوفر والغنى الأوسع ، وآتاني من الدنيا ما لا يستزاد عليه ، فكيف يرضى مثلي بأن يمدّ بمال ويصانع به (بَلْ أَنْتُمْ) قوم لا تعلمون إلا ظاهرا من الحياة الدنيا ، فلذلك (تَفْرَحُونَ) بما تزادون ويهدى إليكم ، لأن ذلك مبلغ همتكم وحالى خلاف حالكم ، وما أرضى منكم بشيء ولا أفرح به إلا بالإيمان وترك المجوسية. فإن قلت : ما الفرق بين قولك : أتمدني بمال وأنا أغنى منك ، وبين أن تقوله بالفاء؟ قلت : إذا قلته بالواو ، فقد جعلت مخاطبى عالما بزيادتى عليه في الغنى واليسار ، وهو مع ذلك يمدني بالمال. وإذا قلته بالفاء ، فقد جعلته مخاطبى عالما بزيادتى عليه في الغنى واليسار ، وهو مع ذلك يمدني بالمال. وإذا قلته بالفاء ، فقد جعلته ممن خفيت عليه حالى ، فأنا أخبره الساعة بما لا أحتاج معه إلى إمداده ، كأنى أقول له : أنكر عليك ما فعلت ، فإنى غنى عنه. وعليه ورد قوله (فَما آتانِيَ اللهُ). فإن قلت : فما وجه الإضراب؟ قلت : لما أنكر عليهم الإمداد وعلل إنكاره ، أضرب عن ذلك إلى بيان السبب الذي حملهم عليه : وهو أنهم لا يعرفون سبب رضا ولا فرح ، إلا أن يهدى إليهم حظ من الدنيا التي لا يعلمون غيرها. ويجوز أن تجعل الهدية مضافة إلى المهدى ، ويكون المعنى : بل أنتم بهديتكم هذه التي أهديتموها تفرحون فرح افتخار على الملوك ، بأنكم قدرتم على إهداء مثلها. ويحتمل أن يكون عبارة عن الردّ ، كأنه قال : بل أنتم من حقكم أن تأخذوا هديتكم وتفرحوا بها.
(ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لا قِبَلَ لَهُمْ بِها وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْها أَذِلَّةً وَهُمْ صاغِرُونَ)(٣٧)
(ارْجِعْ) خطاب للرسول. وقيل : للهدهد محملا كتابا آخر (لا قِبَلَ) لا طاقة.
وحقيقة القبل : المقاومة والمقابلة ، أى : لا يقدرون أن يقابلوهم. وقرأ ابن مسعود رضى الله عنه : لا قبل لهم بهم. الضمير في منها لسبأ. والذل : أن يذهب عنهم ما كانوا فيه من العزّ والملك.