باسم الله. وقرأ أبىّ : أن من سليمان وأن بسم الله ، على أن المفسرة. وأن في (أَلَّا تَعْلُوا) مفسرة أيضا. لا تعلوا : لا تتكبروا كما يفعل الملوك. وقرأ ابن عباس رضى الله عنهما بالغين معجمة من الغلو : وهو مجاوزة الحد. يروى أنّ نسخة الكتاب من عبد الله سليمان بن داود إلى بلقيس ملكة سبأ : السلام على من اتبع الهدى ، أما بعد : فلا تعلوا علىّ وائتوني مسلمين ، وكانت كتب الأنبياء عليهم السلام جملا لا يطيلون ولا يكثرون ، وطبع الكتاب بالمسك وختمه بخاتمه ، فوجدها الهدهد راقدة في قصرها بمأرب ، وكانت إذا رقدت غلقت الأبواب ووضعت المفاتيح تحت رأسها ، فدخل من كوة وطرح الكتاب على نحرها وهي مستلقية. وقيل : نقرها فانتبهت فزعة. وقيل : أتاها والقادة والجنود حواليها ، فرفرف ساعة والناس ينظرون حتى رفعت رأسها ، فألقى الكتاب في حجرها ، وكانت قارئة كاتبة عربية من نسل تبع بن شراحيل الحميري ، فلما رأت الخاتم ارتعدت وخضعت ، وقالت لقومها ما قالت (مُسْلِمِينَ) منقادين أو مؤمنين.
(قالَتْ يا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي ما كُنْتُ قاطِعَةً أَمْراً حَتَّى تَشْهَدُونِ)(٣٢)
الفتوى : الجواب في الحادثة ، اشتقت على طريق الاستعارة من الفتى في السن. والمراد بالفتوى هاهنا : الإشارة عليها بما عندهم فيما حدث لها من الرأى والتدبير ، وقصدت بالانقطاع إليهم والرجوع إلى استشارتهم واستطلاع آرائهم : استعطافهم وتطييب نفوسهم ليمالئوها ويقوموا معها (قاطِعَةً أَمْراً) فاصلة. وفي قراءة ابن مسعود رضى الله عنه : قاضية أى لا أبت أمرا إلا بمحضركم. وقيل : كان أهل مشورتها ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا : كل واحد على عشرة آلاف.
(قالُوا نَحْنُ أُولُوا قُوَّةٍ وَأُولُوا بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانْظُرِي ما ذا تَأْمُرِينَ)(٣٣)
أرادوا بالقوة : قوّة الأجساد وقوّة الآلات والعدد. وبالبأس : النجدة والبلاء في الحرب (وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ) أى هو موكول إليك ، ونحن مطيعون لك ، فمرينا بأمرك نطعك ولا نخالفك. كأنهم أشاروا عليها بالقتال. أو أرادوا : نحن من أبناء الحرب لا من أبناء الرأى والمشورة ، وأنت ذات الرأى والتدبير ، فانظرى ما ذا ترين : نتبع رأيك.
(قالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوها وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِها أَذِلَّةً وَكَذلِكَ يَفْعَلُونَ (٣٤) وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَناظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ (٣٥)