..... تسقى جنّة سحقا (١)
قلت : فيه وجهان : أن يخص النخل بإفراده بعد دخوله في جملة سائر الشجر ، تنبيها على انفراده عنها بفضله عليها ، وأن يريد بالجنات : غيرها من الشجر ، لأنّ اللفظ يصلح لذلك ، ثم يعطف عليها النخل. الطلعة : هي التي تطلع من النخلة ، كنصل السيف في جوفه شماريخ القنو. والقنو : اسم للخارج من الجذع كما هو بعرجونه وشماريخه. والهضيم : اللطيف الضامر ، من قولهم : كشح هضيم ، وطلع إناث النخل فيه لطف ، وفي طلع الفحاحيل جفاء ، وكذلك طلع البرني ألطف من طلع اللون (٢) ، فذكرهم نعمة الله في أن وهب لهم أجود النخل وأنفعه : لأنّ الإناث ولادة التمر ، والبرني : أجود التمر وأطيبه ويجوز أن يريد أن نخيلهم أصابت جودة المنابت وسعة الماء ، وسلمت من العاهات ، فحملت الحمل الكثير ، وإذا كثر الحمل هضم ، وإذا قل جاء فاخرا. وقيل : الهضيم : اللين النضيج ، كأنه قال : ونخل قد أرطب ثمره. قرأ الحسن : وتنحتون ، بفتح الحاء. وقرئ : فرهين ، وفارهين. والفراهة : الكيس والنشاط. ومنه : خيل فرهة ، استعير لامتثال الأمر ، وارتسامه طاعة الآمر المطاع. أو جعل الأمر مطاعا على المجاز الحكمي ، والمراد الآمر. ومنه قولهم : لك علىّ إمرة مطاعة. وقوله تعالى (وَأَطِيعُوا أَمْرِي). فإن قلت : ما فائدة قوله (وَلا يُصْلِحُونَ)؟ قلت : فائدته أنّ فسادهم فساد مصمت ليس معه شيء من الصلاح ، كما تكون حال بعض المفسدين مخلوطة ببعض الصلاح.
(قالُوا إِنَّما أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ (١٥٣) ما أَنْتَ إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُنا فَأْتِ بِآيَةٍ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ)(١٥٤)
المسحر : الذي سحر كثيرا حتى غلب على عقله. وقيل : هو من السحر الرئة ، (٣) وأنه بشر.
(قالَ هذِهِ ناقَةٌ لَها شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ (١٥٥) وَلا تَمَسُّوها بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذابُ يَوْمٍ عَظِيمٍ)(١٥٦)
الشرب : النصيب من الماء ، نحو السقي والقيت ، للحظ من السقي والقوت ، وقرئ بالضم. روى أنهم قالوا : نريد ناقة عشراء تخرج من هذه الصخرة ، فتلد سقبا (٤) ، فقعد صالح يتفكر ،
__________________
(١) تقدم شرح هذا الشاهد بالجزء الأول صفحة ١٠٥ فراجعه إن شئت اه مصححه.
(٢) قوله «وكذلك طلع البرني ألطف من طلع اللون» البرني : ضرب من التمر. واللون : الدقل ، والدقل : أردا التمر ، كذا في الصحاح. (ع)
(٣) قوله «الرئة» لعله : بمعنى الرئة. (ع)
(٤) قوله «فتلد سقبا» في الصحاح «السقب» : الذكر من ولد الناقة. (ع)