بابه ، يقال : وجه كريم ، إذا رضى في حسنه وجماله ، وكتاب كريم : مرضىّ في معانيه وفوائده ، وقال :
حتّي يشقّ الصّفوف من كرمه (١)
أى : من كونه مرضيا في شجاعته وبأسه ، والنبات الكريم : المرضى فيما يتعلق به من المنافع (إِنَّ فِي) إنبات تلك الأصناف (لَآيَةً) على أن منبتها قادر على إحياء الموتى ، وقد علم الله أن أكثرهم مطبوع على قلوبهم ، غير مرجوّ إيمانهم (وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ) في انتقامه من الكفرة (الرَّحِيمُ) لمن تاب وآمن وعمل صالحا. فإن قلت : ما معنى الجمع بين كم وكل ، ولو قيل كم أنبتنا فيها من زوج كريم (٢)؟ قلت : قد دلّ (كُلِ) على الإحاطة بأزواج النبات على سبيل التفصيل ، و (كَمْ) على أن هذا المحيط متكاثر مفرط الكثرة (٣) ، فهذا معنى الجمع بينهما ، وبه نبه على كمال قدرته. فإن قلت : فما معنى وصف الزوج بالكريم؟ قلت : يحتمل معنيين ، أحدهما :
__________________
(١) من رأى يومنا ويوم بنى التيم |
|
إذا التف صيقه بدمه |
لما رأوا أن يومهم أشب |
|
شدوا حيازيمهم على ألمه |
كأنما الأسد في عرينهم |
|
ونحن كالليل جاش في قتمه |
لا يسلمون الغداة جارهم |
|
حتى يزل الشراك عن قدمه |
ولا يخيم اللقاء فارسهم |
|
حتى يشق الصفوف من كرمه |
لرجل من حمير. ومن : استفهامية. والصيق والصيقة ـ بالكسر ـ : الغبار والتراب. والأشب ـ كحذر ـ : كثير الجلية والاختلاط ، ويطلق على المكان الذي التف شجره ، والحيزوم : الصدر. والعرين : أجمة الأسد يسكن فيها. وجاش : ارتفع وأقبل. والقتم : الغبار والسواد والظلمة. وروى في غشمه : بالغين. والمعنى واحد ، لا يسلمون لا يخذلون ولا يتركون. والشراك : سير النعل ، ولا يخيم : أى لا يجبن عن اللقاء ، واليوم : الزمن أو الواقعة ، وإضافة الصيق والدم إليه لأنه فيه. ووصف اليوم بأنه كثير الصياح والاختلاط ، لأن ذلك واقع فيه ، وشد الحيازيم على الألم : كناية عن التجلد والصبر. وشبههم بالأسود في شجاعتهم ، وشبه قومه بالليل في الاحاطة والقهر للغير ، ثم قال : لا يتركون حليفهم غداة الروع حتى يرتبك وحده في الحرب ، فزلل الشراك : كناية عن ذلك ولا يجبن الفارس منهم عن اللقاء ، فهو نصب على نزع الخافض ، وقيل : مفعول معه ، حتى يشق صفوف الحرب ويدخلها من كرمه ، أى شجاعته وجراءته ، لأن الكرم في كل باب بحسبه ، وحتى الأولى غاية للمنفي ، والثانية غاية للنفي. ويجوز أن الثانية ابتدائية ، والفعل بعدها مرفوع على الاستئناف ، وهذا أبلغ في المدح ، ثم إن مدح عدوهم مدح لهم.
(٢) قوله «كم أنبتنا فيها من زوج كريم» لعل بعده سقطا تقديره «كان مستقيما». (ع)
(٣) قال محمود : «إن قلت : ما فائدة الجمع بين كل وكم؟ وأجاب بأن كلا دخلت للاحاطة بأزواج النبات وكم دلت على أن هذا المحاط به متكاثر مفرط الكثرة» قال أحمد : فعلى مقتضى ذلك يكون المقصود بالتكثير : الأنواع والظاهر أن المقصود آحاد الأزواج والأنعام ، ويدل عليه أنك لو أسقطت (كُلِ) فقلت : انظروا إلى الأرض كم أنبت الله فيها من الصنف الفلاني ، لكنت مكنيا عن آحاد ذلك الصنف المشار إليه ، فإذا أدخلت (كُلِ) فقد أديت بتكريره آحاد كل صنف لا آحاد صنف معين ، والله أعلم.