والدليل على ذلك قوله (وَهُمْ فِي الْغُرُفاتِ آمِنُونَ) وقراءة من قرأ : في الغرفة (بِما صَبَرُوا) بصبرهم على الطاعات ، وعن الشهوات ، وعن أذى الكفار ومجاهدتهم ، وعلى الفقر وغير ذلك. وإطلاقه لأجل الشياع في كل مصبور عليه. وقرئ : يلقون ، كقوله تعالى (وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً) ويلقون ، كقوله تعالى (يَلْقَ أَثاماً). والتحية : دعاء بالتعمير. والسلام : دعاء بالسلامة ، يعنى أن الملائكة يحيونهم ويسلمون عليهم. أو يحيى بعضهم بعضا ويسلم عليه أو يعطون التبقية والتخليد مع السلامة عن كل آفة. اللهم وفقنا لطاعتك ، واجعلنا مع أهل رحمتك ، وارزقنا مما ترزقهم في دار رضوانك.
(قُلْ ما يَعْبَؤُا بِكُمْ رَبِّي لَوْ لا دُعاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزاماً) (٧٧)
لما وصف عبادة العباد ، وعدّد صالحاتهم وحسناتهم ، وأثنى عليهم من أجلها ، ووعدهم الرفع من درجاتهم في الجنة : أتبع ذلك بيان أنه إنما اكترث لأولئك وعبأ بهم وأعلى ذكرهم ووعدهم ما وعدهم ، لأجل عبادتهم ، فأمر رسوله أن يصرّح للناس ، ويجزم لهم القول بأن الاكتراث لهم عند ربهم ، إنما هو للعبادة وحدها لا لمعنى آخر ، ولو لا عبادتهم لم يكترث لهم البتة ولم يعتدّ بهم ولم يكونوا عنده شيء يبالى به. والدعاء : العبادة. و (ما) متضمنة لمعنى الاستفهام ، وهي في محل النصب ، وهي عبارة عن المصدر ، كأنه قيل : وأى عبء يعبأ بكم لو لا دعاؤكم. يعنى أنكم لا تستأهلون شيئا من العبء بكم لو لا عبادتكم. وحقيقة قولهم ما عبأت به : ما اعتددت به من فوادح همومى ومما يكون عبئا علىّ ، كما تقول : ما اكترثت له ، أى : ما اعتددت به من كوارثى ومما يهمني. وقال الزجاج في تأويل (ما يَعْبَؤُا بِكُمْ رَبِّي) : أى وزن يكون لكم عنده؟ ويجوز أن تكون (ما) نافية ، (فَقَدْ كَذَّبْتُمْ) يقول : إذا أعلمتكم أن حكمى أنى لا أعتدّ بعبادي إلا عبادتهم ، فقد خالفتم بتكذيبكم حكمى ، فسوف يلزمكم أثر تكذيبكم حتى يكبكم في النار. ونظيره في الكلام أن يقول الملك لمن استعصى عليه : إن من عادتى أن أحسن إلى من يطيعني ويتبع أمرى ، فقد عصيت فسوف ترى ما أحلّ بك بسبب عصيانك. وقيل : معناه ما يصنع بكم ربى لو لا دعاؤه إياكم إلى الإسلام. وقيل : ما يصنع بعذابكم لو لا دعاؤكم معه آلهة ، فإن قلت : إلى من يتوجه هذا الخطاب؟ قلت : إلى الناس على الإطلاق ، ومنهم مؤمنون عابدون ومكذبون عاصون ، فخوطبوا بما وجدوا في جنسهم من العبادة والتكذيب. وقرئ : فقد كذب الكافرون. وقيل : يكون العذاب لزاما. وعن مجاهد رضى الله عنه : هو قتل يوم بدر ، وأنه لوزم بين القتلى لزاما. وقرئ : لزاما ، بالفتح بمعنى اللزوم ، كالثبات والثبوت.