والأسد ، والسنبلة ، والميزان ، والعقرب ، والقوس ، والجدى ، والدلو ، والحوت : سميت بالبروج التي هي القصور العالية ، لأنها لهذه الكواكب كالمنازل لسكانها. واشتقاق البرج من التبرج ، لظهوره. والسراج : الشمس كقوله تعالى (وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِراجاً) وقرئ. سرجا ، وهي الشمس والكواكب الكبار معها. وقرأ الحسن والأعمش : وقمرا منيرا ، وهي جمع ليلة قمراء ، كأنه قال : وذا قمر منيرا ؛ لأنّ الليالي تكون قمرا بالقمر ، فأضافه إليها. ونظيره ـ في بقاء حكم المضاف بعد سقوطه وقيام المضاف إليه مقامه ـ قول حسان :
بردي يصفّق بالرّحيق السّلسل (١)
يريد : ماء بردي ، ولا يبعد أن يكون القمر بمعنى القمر ، كالرشد والرشد ، والعرب والعرب.
(وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرادَ شُكُوراً)(٦٢)
الخلفة من خلف ، كالركبة من ركب : وهي الحالة التي يخلف عليها الليل والنهار كلّ واحد منهما الآخر. والمعنى : جعلهما ذوى خلفة ، أى : ذوى عقبة ، أى : يعقب هذا ذاك وذاك هذا. ويقال : الليل والنهار يختلفان ، كما يقال : يعتقبان. ومنه قوله (وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ) ويقال : بفلان (٢) خلفة واختلاف ، إذا اختلف كثيرا إلى متبرّزه. وقرئ : يذكر ويذكر. وعن أبىّ بن كعب رضى الله عنه : يتذكر. والمعنى لينظر في اختلافهما الناظر ، فيعلم أن لا بد لانتقالهما من حال إلى حال ، وتغيرهما من ناقل ومغير. ويستدل بذلك على عظم قدرته ، ويشكر الشاكر على النعمة فيهما من السكون بالليل والتصرف بالنهار ، كما قال عز وعلا : (وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ). وليكونا وقتين للمتذكرين والشاكرين ، من فاته في أحدهما ورده من العبادة قام به في الآخر. وعن الحسن رضى الله عنه : من فانه عمله من التذكر والشكر بالنهار كان له في الليل مستعتب. ومن فاته بالليل : كان له في النهار مستعتب.
(وَعِبادُ الرَّحْمنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَإِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ قالُوا سَلاماً)(٦٣)
(وَعِبادُ الرَّحْمنِ) مبتدأ خبره في آخر السورة ، كأنه قيل : وعباد الرحمن الذين هذه صفاتهم
__________________
(١) تقدم شرح هذا الشاهد بالجزء الأول صفحة ٨٤ فراجعه إن شئت اه مصححه
(٢) قوله «ويقال بفلان خلفة» لعله : لفلان. (ع)