يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِواذاً فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ)(٦٣)
إذا احتاج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اجتماعكم عنده لأمر فدعاكم فلا تفرقوا عنه إلا بإذنه ، ولا تقيسوا دعاءه إياكم على دعاء بعضكم بعضا ورجوعكم عن المجمع بغير إذن الداعي. أو لا تجعلوا تسميته ونداءه بينكم كما يسمى بعضكم بعضا ويناديه باسمه الذي سماه به أبواه ، ولا تقولوا : يا محمد ، ولكن : يا نبى الله ، ويا رسول الله ، مع التوقير التعظيم والصوت المخفوض والتواضع. ويحتمل : لا تجعلوا دعاء الرسول ربه مثل ما يدعو صغيركم كبيركم وفقيركم غنيكم ، يسأله حاجة فربما أجابه وربما ردّه ، فإن دعوات رسول الله صلى الله عليه وسلم مسموعة مستجابة (يَتَسَلَّلُونَ) ينسلون قليلا قليلا. ونظير «تسلل» : «تدرّج وتدخل» : واللواذ : الملاوذة ، وهو أن يلوذ هذا بذاك وذاك بهذا ، يعنى : ينسلون عن الجماعة في الخفية على سبيل الملاوذة واستتار بعضهم ببعض. و (لِواذاً) حال ، أى : ملاوذين. وقيل : كان بعضهم يلوذ بالرجل إذا استأذن فيأذن له ، فينطلق الذي لم يؤذن له معه. وقرئ : لو إذا ، بالفتح. يقال. خالفه إلى الأمر ، إذا ذهب إليه دونه. ومنه قوله تعالى (وَما أُرِيدُ أَنْ أُخالِفَكُمْ إِلى ما أَنْهاكُمْ عَنْهُ) وخالفه عن الأمر : إذا صدّعنه دونه. ومعنى (الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ) الذين يصدّون عن أمره دون المؤمنين وهم المنافقون ، فحذف المفعول لأنّ الغرض ذكر المخالف والمخالف عنه. الضمير في أمره لله سبحانه أو للرسول صلى الله عليه وسلم. والمعنى : عن طاعته ودينه (فِتْنَةٌ) محنة في الدنيا (أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) في الآخرة. وعن ابن عباس رضى الله عنهما : فتنة قتل. وعن عطاء : زلازل وأهوال. وعن جعفر بن محمد : يسلط عليهم سلطان جائر.
(أَلا إِنَّ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قَدْ يَعْلَمُ ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ وَيَوْمَ يُرْجَعُونَ إِلَيْهِ فَيُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)(٦٤)
أدخل (قد) ليؤكد علمه بما هم عليه من المخالفة عن الدين والنفاق ومرجع توكيد العلم إلى توكيد الوعيد ، وذلك أن (قد) إذا دخلت على المضارع كانت بمعنى «ربما» فوافقت «ربما» في خروجها إلى معنى التكثير في نحو قوله :
فان تمس مهجور الفناء فربّما |
|
أقام به بعد الوفود وفود (١) |
__________________
(١) ألا إن عينا لم تجد يوم واسط |
|
عليك يجارى دمعها لجمود |
عشية قام النائحات وشققت |
|
جيوب بأيدى مأتم وخدود |