وكلمة (إِنْ) وإيثارها على «إذا» إيذان بأن المساعيات كنّ يفعلن ذلك برغبة وطواعية منهن ، وأن ما وجد من معاذة ومسيكة من حين الشاذ النادر (غَفُورٌ رَحِيمٌ) لهم أو لهن. أو لهم ولهنّ إن تابوا وأصلحوا. وفي قراءة ابن عباس : لهن غفور رحيم. فإن قلت : لا حاجة إلى تعليق المغفرة بهنّ ، لأن المكرهة على الزنى بخلاف المكره عليه في أنها غير آثمة. قلت : لعل الإكراه كان دون ما اعتبرته الشريعة من إكراه بقتل ، أو بما يخاف منه التلف أو ذهاب العضو ، من ضرب عنيف أو غيره حتى تسلم من الإثم ، وربما قصرت عن الحدّ الذي تعذر فيه فتكون آثمة
(وَلَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ آياتٍ مُبَيِّناتٍ وَمَثَلاً مِنَ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ)(٣٤)
(مُبَيِّناتٍ) هي الآيات التي بينت في هذه السورة وأوضحت في معاني الأحكام والحدود. ويجوز أن يكون الأصل مبينا فيها فاتسع في الظرف. وقرئ بالكسر ، أى : بينت هي الأحكام والحدود ، جعل الفعل لها على المجاز. أو من «بين» بمعنى تبين. ومنه المثل قد بين الصبح لذي عينين. (وَمَثَلاً مِنَ) أمثال من (قَبْلِكُمْ) أى قصة عجيبة من قصصهم كقصة يوسف ومريم ، يعنى قصة عائشة رضى الله عنها (وَمَوْعِظَةً) ما وعظ به في الآيات والمثل ، من نحو قوله (وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللهِ) ، (لَوْ لا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ) ، (وَلَوْ لا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ) : (يَعِظُكُمُ اللهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَداً)
(اللهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاةٍ فِيها مِصْباحٌ الْمِصْباحُ فِي زُجاجَةٍ الزُّجاجَةُ كَأَنَّها كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ نُورٌ عَلى نُورٍ يَهْدِي اللهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشاءُ وَيَضْرِبُ اللهُ الْأَمْثالَ لِلنَّاسِ وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)(٣٥)
نظير قوله (اللهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) مع قوله (مَثَلُ نُورِهِ) ، و (يَهْدِي اللهُ لِنُورِهِ) : قولك : زيد كرم وجود ، ثم تقول : ينعش الناس بكرمه وجوده. والمعنى : ذو نور السماوات ، وصاحب نور السماوات ، ونور السماوات والأرض الحق ، شبهه بالنور في ظهوره وبيانه ، كقوله تعالى (اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ) : أى من الباطل إلى الحق.