ما والنون :
مؤكدتان ، أى : إن كان لا بد من أن تريني ما تعدهم من العذاب في الدنيا أو في
الآخرة (فَلا تَجْعَلْنِي) قرينا لهم ولا تعذبني بعذابهم. عن الحسن : أخبره الله أن
له في أمته نقمة ولم يخبره أفى حياته أم بعد موته ، فأمره أن يدعو بهذا الدعاء.
فإن قلت : كيف يجوز أن يجعل الله نبيه المعصوم مع الظالمين ، حتى يطلب أن لا يجعله
معهم؟ قلت : يجوز أن يسأل العبد ربه ما علم أنه يفعله ، وأن يستعيذ به مما علم أنه
لا يفعله ، إظهارا للعبودية وتواضعا لربه ، وإخباتا له. واستغفاره صلى الله عليه
وسلم إذا قام من مجلسه سبعين مرة أو مائة مرة لذلك ، وما أحسن قول الحسن في قول
أبى بكر الصديق رضى الله عنهما «وليتكم ولست بخيركم : كان يعلم أنه خيرهم ، ولكن
المؤمن يهضم نفسه. وقرئ : إما ترئنهم ، بالهمز مكان تريني ، كما قرئ : فإما ترئن ، ولترؤن الجحيم. وهي
ضعيفة. وقوله (رَبِ) مرتين قبل الشرط وقبل الجزاء ، حث على فضل تضرع وجؤار.
كانوا ينكرون الموعد بالعذاب ويضحكون منه واستعجالهم له لذلك ، فقيل لهم : إن الله
قادر على إنجاز ما وعد إن تأملتم ، فما وجه هذا الإنكار؟
(ادْفَعْ بِالَّتِي
هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَصِفُونَ)(٩٦)
هو أبلغ من أن
يقال : بالحسنة السيئة ، لما فيه من التفضيل ، كأنه قال : ادفع بالحسنى السيئة. والمعنى
: الصفح عن إساءتهم ومقابلتها بما أمكن من الإحسان ، حتى إذا اجتمع الصفح والإحسان
وبذل الاستطاعة فيه : كانت حسنة مضاعفة بإزاء سيئة. وهذه قضية قوله (بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) وعن ابن عباس رضى الله عنهما : هي شهادة أن لا إله إلا
الله. والسيئة : الشرك.
__________________