موسى وأولاها ، وقد تعلقت بها معجزات شتى : من انقلابها حية ، وتلقفها ما أفكته السحرة ، وانفلاق البحر ، وانفجار العيون من الحجر بضربهما بها ، وكونها حارسا ، وشمعة ، وشجرة خضراء مثمرة ، ودلوا ورشاء. جعلت كأنها ليست بعضها لما استبدت به من الفضل ، فلذلك عطفت عليها كقوله تعالى (وَجِبْرِيلَ وَمِيكالَ) ويجوز أن تراد الآيات أنفسها ، أى : هي آيات وحجة بينة (عالِينَ) متكبرين (إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الْأَرْضِ) ، (لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ) أو متطاولين على الناس قاهرين بالبغي والظلم.
(فَقالُوا أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنا وَقَوْمُهُما لَنا عابِدُونَ (٤٧) فَكَذَّبُوهُما فَكانُوا مِنَ الْمُهْلَكِينَ)(٤٨)
البشر يكون واحدا وجمعا : (بَشَراً سَوِيًّا) ، (لِبَشَرَيْنِ) ، (فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ) و «مثل» و «غير» يوصف بهما : الاثنان ، والجمع ، والمذكر ، والمؤنث : (إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ) ، (وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَ) ويقال أيضا : هما مثلاه ، وهم أمثاله : (إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ عِبادٌ أَمْثالُكُمْ). (وَقَوْمُهُما) يعنى بنى إسرائيل ، كأنهم يعبدوننا خضوعا وتذللا. أو لأنه كان يدعى الإلهية فادعى للناس العبادة ، وأن طاعتهم له عبادة على الحقيقة.
(وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ)(٤٩)
(مُوسَى الْكِتابَ) أى قوم موسى التوراة (لَعَلَّهُمْ) يعملون بشرائعها ومواعظها ، كما قال : (عَلى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِمْ) يريد آل فرعون ، وكما يقولون : هاشم ، وثقيف ، وتميم ، ويراد قومهم. ولا يجوز أن يرجع الضمير في (لَعَلَّهُمْ) إلى فرعون وملئه ، لأنّ التوراة إنما أوتيها بنو إسرائيل بعد إغراق فرعون وملئه : (وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ مِنْ بَعْدِ ما أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الْأُولى).
(وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً وَآوَيْناهُما إِلى رَبْوَةٍ ذاتِ قَرارٍ وَمَعِينٍ)(٥٠)
فإن قلت : لو قيل آيتين هل كان يكون له وجه؟ قلت : نعم ، لأنّ مريم ولدت من غير مسيس ، وعيسى روح من الله ألقى إليها ، وقد تكلم في المهد وكان يحيى الموتى مع معجزات أخر ، فكان آية من غير وجه ، واللفظ محتمل للتثنية على تقدير (وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ) آية (وَأُمَّهُ) آية ثم حذفت الأولى لدلالة الثانية عليها. الربوة والرباوة في رائهما الحركات. وقرئ : ربوة ورباوة ، بالضم. ورباوة بالكسر وهي الأرض المرتفعة. قيل : هي إيليا أرض بيت المقدس ، وأنها