والثاني : أنّ مفعوله محذوف ، أى : تنبت زيتونها وفيه الزيت. وقرئ : تنبت ، بضم التاء وفتح الباء ، وحكمه حكم تنبت. وقرأ ابن مسعود : تخرج الدهن وصبغ الآكلين. وغيره : تخرج بالدهن : وفي حرف أبىّ : تثمر بالدهن. وعن بعضهم : تنبت بالدهان. وقرأ الأعمش: وصبغا وقرئ وصباغ. ونحوهما : دبغ ودباغ. والصبغ : الغمس للائتدام. وقيل : هي أوّل شجرة نبتت بعد الطوفان ، ووصفها الله تعالى بالبركة في قوله (يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ).
(وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِها وَلَكُمْ فِيها مَنافِعُ كَثِيرَةٌ وَمِنْها تَأْكُلُونَ (٢١) وَعَلَيْها وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ)(٢٢)
قرئ : تسقيكم ، بتاء مفتوحة ، أى : تسقيكم الأنعام (وَمِنْها تَأْكُلُونَ) أى تتعلق بها منافع من الركوب والحمل وغير ذلك ، كما تتعلق بما لا يؤكل لحمه من الخيل والبغال والحمير. وفيها منفعة زائدة ، وهي الأكل الذي هو انتفاع بذواتها ، والقصد بالأنعام إلى الإبل لأنها هي المحمول عليها في العادة ، وقرنها بالفلك ـ التي هي السفائن ـ لأنها سفائن البرّ. قال ذو الرمة :
__________________
ـ هنالك إن يستخولوا المال يخولوا |
|
وإن سئلوا يعطوا وإن يسروا يغلوا |
وفيهم مقامات حسان وجوههم |
|
وأندية ينتابها القول والفعل |
لزهير بن أبى سلمي يمدح سنان بن أبى حارثة ، والشهباء : الفرس يخالط سوادها بياض ، شبه بها السنة المجدبة لكثرة بياض أرضها وخلوها عن سواد النبات والأمطار. أو لاختلاط نور الغنى فيها بظلمة الفقر. أجحفت بالناس : أى ذهبت بهم ومحقت عنهم آثار الغنى ، والاسناد مجاز عقلى. والجحرة ـ بتقديم الجيم المفتوحة ـ : السنة المجدبة وروى : في الحجرة. وأصلها بالتحريك ، فسكونها لغة أو ضرورة وهي شدة الشقاء. ويجوز أن تقرأ بالضم بمعنى البيت ، أى : ونال الأكل كرام الناس. ووصلهم داخل بيوتهم لبخلهم تلك السنة. ويروى : كرام المال. والمعنى أن كرائم الأموال نالها التأكل والتنقص في تلك السنة لجديها. ورأيت : جواب إذا. وذوى الحاجات : كناية عن الفقراء. حول بيوتهم : أى سنان وقومه. قطينا : أى مقيمين ، فهو يطلق على الواحد والمتعدد. وقيل أنه جمع. ويروى قطينا لهم : أى مساكنين لهم عند البيوت ، وذلك كناية عن كرمهم ، حتى إذا أنبت البقل : أى نبت النبات الرطب وظهر الخصب ، فهنالك : أى في ذلك الزمان إن يسألهم أحد أن يخولوه مالا كثيرا يخولوه : أى يولوه عليه. وإن سئلوا مالا قليلا يعطوا السائل. ويروى : إن يستخبلوا المال يخبلوا ، بالموحدة ، يستعر : أى منهم أحد إبلهم للانتفاع بألبانها وأوبارها زمن الجدب ثم يردها : أعاروه ، وإن سألهم الإعطاء من غير رد أعطوه فلا يردون سائلا. وإن يسروا : أى لعبوا الميسر ، يغلوا : أى يجعلوا الخطر غاليا كثيرا لعدم خوفهم على الفقراء لأن المال كثير بخلاف زمن الجدب. ويجوز أن يقرأ : وإن يسروا أى أعطوا بلا سؤال ، يفلوا بالفاء. أى يتفقدوا الفقراء ويعطوهم ، يقال : يسر كوعد : لعب الميسر ، ويسر كترب وتعب : لأن ورق ورفق. وروى : يسألوا وييسروا بالمضارع. والمقامات : المجامع من الناس. وروى : وجوهها. وعلى كل فالضمير للمقامات. والأندية ـ جمع الندى ـ بمعنى الكرم ، على غير قياس ، ينتابها : أى يحرى عليها نوبة بعد نوبة قولهم وفعلهم. أو يتداولها قول الناس وفعلهم. ويحتمل أنها جمع ناد بمعنى متحدث القوم. أو ندى على فعيل كذلك ، ينتابها : أى يجيئها نوبة بعد نوبة القول والفعل ، أى : الصالحات.